ونظر إلى متاعه فرأى. . . وكأنما برزت حقيبة الذكريات لعينيه أول ما نظر لترده إلى ذلك الماضي الذي رماه عن كتفيه منذ قريب!
ونازعته الذكرى فَخار عزمُه وأحس في نفسه الوَهن؛ واصطرعت في نفسه قوتان، فعاد ينظر إلى الحقيبة بين لهفة وندم وإشفاق، ثم دنا منها فتناولها ومشى بطيئاً ثقيل الخطو حتى بلغ ظهر السفينة. . . وطوَّح بها وهو يقول:(أيها الماضي الذي كان، اذهب إلى غير مَعَاد!)
. . . وفرغ صديقي من قصته؛ فما كان يبلغ نهايتها حتى اختلجت شفته وتندَّت عيناه بالدمع؛ ثم أردف:
يا صديقي! لقد أذكرتَني ما كنت أريد أن أنساه وحسبتُني قد فرغتُ من أمره منذ عام وبعض عام؛ فإني لأحسُّ الساعةَ أن الجرح الذي اندمل قد عاد يَدْمَي!. . . لا لا، ولكنه ماض قد انطوى وفرغتُ من أمره!
وصمت ساعة، وانطفأ بريق عينه وأطرق؛ ثم عاد فرفع رأسه وكأنه عائدٌ من سفر بعيد. . . ثم تناول قلمه وبسط بين يديه ورقة وراح يكتب إليها: