مُصْمتاً. فما ظنكم بكتاب يتعاقبه المترجمون بالإفساد، وتتعاوره الخطّاط بشرٍّ من ذلك أو بمثله. . .، كتاب متقادِم الميلاد دهريّ الصنعة)
ولم يزل أئمَّتنا وعلمائنا وأصحاب العقول من شيوخنا، يريدون الكلام المنقول المكتوب إلى العقول - بعد التحري للفظه المكتوب - اتقاءً لما عرفوه من تحريف الناسخين، وانتحال المبطلين وغفلت الجاهلين. نحن إنما نمضي على سنتهم - أن شاء الله - ولا نقف عند القول نخزُّ عليه تعبُّداً لحروفه، وخضوعاً لنصِّه. ولئن فعلنا لمحق الله منا نصف العقل وبقى النصف الآخر متردِّداً بين قال فلان وكتب فلان
. . . وعلى ذلك، فقد صححنا قول ابن شبرمة في رواية صاحب العقد الفريد في العدد (٣٤٧) من الرسالة، فجعلناه (ذَهبَ العلم إلا غبرات في أوعية سوء)، ورفضنا نص العقد هو:(إلا غبارات). ثم رأيت في البريد الأدبي من الرسالة (٣٤٩) كلمات للدكتور بشر فارس يردّ ما ذهبنا إليه بثلاثة براهين نثبتها بالترتيب من تحت إلى فوق:
الأول: أن الحرف (غبارات) قد وَرَد كذلك في جميع نسخ العقد الفريد المطبوعة، وكذلك في مخطوطة منه بدار الكتب يُظَنُّ أنها كتبت في القرن السادس
الثاني: أن هذا النص يصحُّ لغة وأداءً وبياناً. وإذا صحّ كذلك فمن الاستبداد أن يُرَد على الهوَى
الثالث: مخالفة نهجنا في ذلك لنهج علماء الفرنجة (المستشرقين) وجوابنا على الترتيب من تحت إلى فوق:
أننا أدرى بأساليب هؤلاء الأعاجم الذين اتخذوا العربية عملاً من أعمالهم - من أن نخالفهم في الجيد من مذاهبهم، فتحرير النص ومراجعته على جميع النسخ التي ذكر فيها وما إلى ذلك عملٌ ضروريٌ لكل باحث. ولكن هؤلاء الأعاجم تقعد بهم سلائقهم عن معرفة أسرار العربية، فلم يتجاوزوا الوقوف عند النص المكتوب، وذلك لعجزهم عن بيانها. فلما عرفوا ذلك من أنفسهم، كان من أمانتهم أن يتوقفوا، فلا يقطعون برأي في صواب أو خطأ. وهي أمانة مشكورة لهم
ولكن العربي إذا أخذ بأسبابهم، فلاُبدَّ له من أن يهتدي بعربيته إلى ما عجزوا عنه باعجميتهم، فكذلك فعلنا في كلمة ابن شبرمة وقلنا (إنه نصٌّ عربيٌّ مُظلم النور). وبيان ذلك