الشئون ما كبر منها وما صغر على النهج الذي أوضحه صلوات الله عليه حيث قال:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسئولة عنه، والعبد راع على مال سيده وهو المسئول عنه. ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)
وقد كانت أوامر الإسلام ونواهيه معروفة لطائفة كبيرة من المسلمين أنصاراً كانوا أو مهاجرين، ولكنه عليه السلام لم يترك أحداً يدعى لنفسه حقا في إقامة الحدود وإكراه الناس على طاعة الأوامر واجتناب النواهي غير من لهم ولاية الأمر وسياسة الناس
فلما قتل بعض المسلمين غداة فتح مكة رجلاً من المشركين غضب عليه السلام وقال فيما قال من حديثه المبين:(. . . فمن قال لكم إن رسول الله قد قاتل فيها فقولوا إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحللها لكم يا معشر خزاعة. . .)
ولما أراد أن يصادر الخمر نهج في ذلك منهجاً يقصد به إلى التعليم والاستنان كما جاء في رواية ابن عمر حيث قال:
(أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن آتيه بمدية، فأتيته بها. فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها فقال اغد علي بها. ففعلت، فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام. فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها، وأمر الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني، وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت، فلم أترك في أسواقها زقاً إلا شققته)
وهذا تصرف المدير بعد تصرف النبي الذي يبين الحرام ويبين الحلال
فالخمر شربها وبيعها ونقلها حرام يعلمه جميع المسلمين من تفقه منهم ومن لم يتفقه في الدين، ولكن المحرمات الاجتماعية ينبغي أن تكون في يد ولي المسلمين لا في يد كل فرد يعرف الحلال والحرام. وليست المسألة هنا مسألة تحريم وتحليل ولكنها مسألة إدارة وتنفيذ في مجتمع غافل يشتمل على شتى المصالح والأهواء ولا يصاب ببلاء هو أضر عليه من بلاء الفوضى والاضطراب واختلاف الدعاوى وانتزاع الطاعة وتجاهل السلطان؛ فلم يكتف النبي بصريح التحريم في القرآن، ولا اكتفى بإسناد الأمر إلى غير معروف الصفة في