جمعة، فقد هداه القلب الطيب إلى أنني رجل ينهاه الأدب والذوق عن الاستخفاف بأقدار الزملاء
واتصلت به تليفونياً لأقول له: إني أريد أن تكون هذه المناظرة مثالاً في التلطف والترفق، وإني سأبدأ خطبتي بكلمة في الثناء عليه، وإني أنتظر أن يقابل الجميل بالجميل!
وكنت صادقاً فيما قلت، لولا خاطر واحد كدر صدقي بعض التكدير، وهو الحرص على أن يبقى هذا المناظر فلا يطير من يدي، كما طار من كنت أرجو مناظرتهم من أساتذة الكلية. صفح الله عنهم وعفا عني!!
كان الأستاذ لطفي جمعة متردداً في القبول، ثم قبل بعد تمنع؛ والحر قد ينخدع في بعض الأحايين!
وفي تلك الأثناء نقلت الإذاعة اللاسلكية مناظرة قامت بين الدكتور طه والدكتور هيكل في كلية العلوم، مناظرة مرتجلة قام بها الرجلان بدون استعداد، فقلت: يجب أن أستعد لتكون مناظرة كلية الآداب أقوى من مناظرة كلية العلوم، ولأعطي الدكتور طه والدكتور هيكل درساً في وجوب الاحتفال بمقامات الكلام، ولأحمي نفسي من شر المرجفين، وأنا أدافع عن رأي شائك لا ينظر إليه المجتمع بغير الاستخفاف
ورجعت إلى مذكرات كنت أعددتها يوم عرض على الموضوع أول مرة، ولكني لم أجد تلك المذكرات، فأقبلت على الموضوع من جديد وشغلت به نفسي سهرتين طويلتين ليصل في الجودة والقوة إلى ما أريد
وبعد أن فرغت من تحريره وتحبيره دعوت أحد أبنائي ليقرأه علي فكانت فرصة لدرس طريف من دروس التربية، فقد عرفت أن الرجل لا يدرك ما في أسلوبه من نبوات إلا حين يسمعه من رجل سواه، وكذلك غيرت بعض الألفاظ وعدلت بعض التعابير، فظهرت الخطبة وهي فن من الكلام المصقول
ثم مضيت إلى كلية الآداب في أصيل اليوم الأول من أيام آذار، ولا يمكن الوصول إلى كلية الآداب إلا بالسير في شارع فؤاد الذي يعبر الزمالك مرة ويعبر النيل مرتين، ثم انعطفت السيارة فسايرت النيل حتى وصلت إلى شارع الجامعة المصرية، عليه وعليها أطيب التحيات!