الذي يجعل المادة أساس كل شيء والروح نتيجة عمل الدماغ. بل لقد غالى الفيلسوف فويرباخ (١٨٠٤ - ١٨٧٢) قال: (الإنسان يكون حسبما يكون أكله)
لست بمعترض للنقد هنا ولكن أقول: للطرفين غلو عظيم، وكلا الرأيين قديم في تأريخه يرجع إلى عصور اليونان وربما يرجع إلى أقدم من ذلك. وإني أرى أن هنالك آراء عامة تطرق إليها عقل كل إنسان، كل على حسب قابليته ومحيطه، ومن هذه الآراء هذه المشكلة، ولكن الأساليب في معالجتها تختلف والكلمات تتغير؛ والاكتفاء بالدم والأرض في تعيين الإنتاج العقلي للأمم أمر يخالفه الواقع. ونرى أن التطور الاقتصادي مثلاً قد قلب أوربا رأساً على عقب وغير مقاييسها الأدبية والأخلاقية والنزعة الروحية التصوفية التي سادت ألمانيا والعالم بعد الحرب العظمى، وأن حب التشاؤم الذي ساد كذلك، وظهور ما يسمى ? الميول الشاذة بأجلى مظاهرها ومعالجتها علناً، وظهور مذهب ومذهب على أن المادة مؤثرة في الروح لا محالة. وكذلك من باب المغالطة جعل الإنسان آلة تتحرك بمؤثر خارجي كالآلات الصماء التي تشتغل في المعامل. وما نجده من العوامل الروحية في الطفل وفي حالات المجرمين بالطبيعة، والذكاء أو الجمود الفكري يناقض النظرية المادية تماماً
ولكن ما هي المقاييس التي ستنتخب للحكم على أمة بأنها متحضرة وعلى درجة حضارتها؟ أجد أن الأساليب المتبعة الآن في أوربا في تعيين الحضارات كلها مقاييس واهنة، إذ هي تقيس كل حضارة بالنسبة إلى المقاييس التي لديها، وبالنظر إلى العرف أو العادات أو الذوق الذي تراه، وهذا ما يدعو إلى الحكم المخطئ طبعاً. أضف إلى ذلك أن دراسة الإنتاج الروحي أمر عسير جداً ويحتاج إلى إلمام كثير بالظروف والأحوال التي تحيط بتلك الأمة التي ستدرس أو يحكم عليها. فالعزم يجعله كتاب أوربا اليوم من أهم ميزات الأوربي، وكذلك حبه لو حللنا الظروف والأحوال التي حطمت هذه الميول، وجو الشرق المحرق وخيراته الكثيرة لوجدنا أن تلك لم تعد ميزة عقلية، إنما هي ناحية وردت عن طريق الحاجة والمحيط
إن الفيلسوف نيتشه يجعل الحضارة ترادف (العزم على العمل) التي يرددها دائماً. وقد أخذت الفاشية ذلك، وموسوليني من أكبر المحيين لفلسفة نيتشه، فجعل الإمبراطورية تشمل الناحية الروحية كذلك، فهو ينص في كتابه الذي ألفه في مبادئه على أن السيطرة