كذلك عندما يتلقن الطفل أن هذا اللون هو اللون الأحمر وذاك هو الأخضر، فإنه بعد المران يعرف دائماً الأحمر من الأخضر، ولا يحدث خلاف بين بني الإنسان في تمييز لون معين من بين الألوان، فثمة اتفاق عام على أن هذا أحمر وذاك أخضر، تلك مسألة نقررها بتجاربنا اليومية، ولكنها تجارب بدائية تقف في حد ذاتها عن الكشف عن طبيعة الظاهرة التي تجعلنا جميعاً نتفق في هذا التعيين
وقد يكون غريباً على القارئ أن نقول له إن الضوء عملية موجية، وإن اللون يترجم عدداً من الذبذبات في الزمن، وإنه إنما يميز الأحمر من الأخضر، لأن ثمة عدداً من الذبذبات في الثانية أثرت على العين ليرى اللون الأحمر. وثمة عدد آخر من الذبذبات يختلف عن العدد الأول وصل إلى العين ليرى اللون الأخضر، ذلك أن القارئ لا يرى هذه الذبذبات، وليس في تجاربه اليومية ما يؤيدها، ولكنا نطالبه أن يتبعنا قليلاً ليرى معنا ماذا تكنه هذه الظاهرة العجيبة التي عرف عندها الأشياء بصورها واستوعب الألوان بحالتها
أول معارفنا عن الضوء ترجع لملاحظة الظواهر العادية التي تتصل بما يسمونه الضوء الهندسي يبين مسيرات الأشعة الضوئية. كلنا يعرف أن الضوء يسير في خط مستقيم ما دامت المادة التي يسير فيها لا تتغير، ويعرف أن الأشعة تنكسر عند انتقالها من مادة إلى أخرى، وما السراب إلا ظاهرة حادثة من انكسار الضوء في الهواء الذي يتكون منه في الواقع طبقات تختلف كثافتها لاختلاف درجة حرارتها وقد عرف نيوتن ظاهرة انكسار الضوء في الزجاج، ودرس من ذلك ظاهرة تحليل الضوء الأبيض إلى الألوان المعروفة، وبذلك عرف أ، الضوء الأبيض الذي يصلنا من الشمس خليط من أشعة مختلفة ألوانها وقد أثبت ذلك بأن جعل الضوء يمر في منشور زجاجي فيتحلل إلى الألوان المعروفة: الأحمر، والبرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والأرجواني، والبنفسجي، وهي ظاهرة الطيف التي نشاهدها أيضاً في قوس قزح حيث تلعب كرات الماء المنتشرة في الفضاء دور المنشور فيتحلل الضوء عند اختراقها إلى ألوانه السبعة
ويرى القارئ في الشكل (١) تحليل الضوء بواسطة المنشور، ويرى المنطقة التي يكون فيها اللون الأحمر واللون البنفسجي، كما يرى المنطقة التي تكون فيها الأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية