أما الظاهرة الثانية فهي ظاهرة الاستقطاب التي تفرغ لدراستها أيضاً المهندس والعالم (فرنل) ونشرحها هنا في كلمتين:
ثمة نوعان من الأمواج في الظواهر الطبيعية المختلفة، أمواج طويلة حيث تتذبذب الجسيمات في اتجاه سير الموجة، وأمواج مستعرضة حيث تتذبذب الجسيمات في اتجاه عمودي على سير الموجة. وأظهر مثال للأخيرة تلك الأمواج التي نشاهدها على سطح المياه حيث يرتفع الماء ويهبط في مكانه عموديا على الاتجاه الظاهري لمسار الموج دون أن يتحرك الماء من مكانه نحو هذا الاتجاه، ولقد أثبت (فرنل) أن الضوء ظاهرة موجية من النوع الأخير فهي كموجة الماء تتذبذب في اتجاه عمودي على مسار الموجة، ولا تختلف عنها إلا في أنها مع مرور الوقت تدور هذه الذبذبة في المستوى العمودي الذي تتذبذب فيه، وقد لاحظ (فرنل) أن الضوء عندما يخترق نوعاً من البلور فإنه يتذبذب عمودياً كما كان قبل اختراقه البلورة، ولكن الذبذبة تتخذ صفة جديدة، ذلك أنها تتذبذب في اتجاه واحد، ويسمى هذا الشعاع مستقطباً وقد بين (فرنل) أن ظاهرة التداخل لا تحدث بين شعاعين من هذا النوع إلا إذا كانا مستقطبين في اتجاه واحد. وظلت فكرة (فرنل) التي تتلخص في أن الضوء ظاهرة موجية مستعرضة تستلزم وجود مادة أثيرية لحدوث هذه الموجات فكرة غير مقبولة من العلماء الذين لم يؤمنوا بوجود مثل هذه المادة في الكون، وهي المادة التي لجأ إليها كل من (فرنل) و (ويجانز) لتفسير ظاهرتي التداخل والاستقطاب التي صعب تفسيرها بنظرية (نيوتن) الجسمية، وظل الأثير وسطاً يتطلب الدراسة
وهكذا لم يكن من المستطاع التعرف على الضوء كحالة موجية دون أن يكون هناك هذه المادة الأثيرية التي تملأ الكون، وكان شأن الأثير من الضوء شأن الماء في بحيرة سقط فيها حجر، وإلا فكيف تصل لنا آثار الحجر إذا لم يوجد الماء، وكيف تصل لنا هذه الدوائر على سطح البحيرة تتسع رويداً رويداً حتى تبلغ الشاطئ إذا خلت البحيرة مما يحمل هذه الدوائر، ومع ذلك ظل الأثير فرضاً لا نعرف عن خواصه شيئاً، ولكل ما نعرفه أنه مادة خفيفة شبيهة بالغازات، لا نستطيع تفريغها مهما كانت أجهزتنا قوية، فهو يملأ المصباح الكهربائي مهما كان مفرغاً، وبواسطته يمر الضوء من السلك المعدني إلى الغلاف الزجاجي