غير أني أبادر فأبرأ إلى الله من العصبية القومية الجاهلية وضيقها وسفاهتها على غيرها، وإنما أرجو أن تقوم العربية كما قامت أول أمرها على يد أبيها محمد أداة تنظيف للبشرية وتوكيد لوحدتها. . . ولذلك أبادر فأنبه إخواننا وأصدقاءنا من الجنسيات الإسلامية الأخرى إلى هذا حتى يستيقنوا أننا لا نريد مفاخرة ولا منافرة جنسية دموية قائمة على زعم فروق جوهرية بين الأجناس والألوان؛ وإنما هي دعوة للعرب - وهم مادة الإسلام الأولى وقوم القرآن - إلى الاعتداد والاستمساك بالمثل العليا التي اختار الله القومية العربية لحملها إلى الناس، وبالصفات الطبيعية العربية العليا التي كانت سنداً لهذه المثل
وقد دعاني إلى اختيار هذا الزمان للبوح بهذه الأناشيد التي طالما ترنمت بها نفسي معاني مطلقة حرة غير مصبوبة بالألفاظ، أنني وجدت الأقدار تنزل فيه وتتلاحق بسرعة وتتولى تغيير مقدرات الأرض وأوضاعها النفسية والجغرافية، ووجدت صراع القوميات الآراء والمعتقدات والفلسفات في رءوس الناس وقلوبهم لا يقل قسوة وعنفاً واحتداماً عن صراع القوى الحديدية العمياء النارية التي تأكل الأخضر واليابس وتحطم القائم والحصيد وبين هذين الصراعين يقف قومي العرب متفرقي الرأي ف الحاضر مختلفي التقدير للمستقبل حائري الألباب لا يكادون يعرفون في أي النواحي موضعهم، ولا من أي الآفاق مطلع مستقبلهم. ولا يكادون يعرفون ما في مصاحفهم ودساتيرهم من المثل العليا التي تستطيع أن تجمع أمم الأرض كلها على حدود العدالة والسلامة الإجماعية متى وجدت قوماً يؤمنون بها ويحسنون ذلك الإيمان، ويمثلونها خير تمثيل ويدعون إليها بأسلوب هذا العصر الذي يعتمد على براعة الاستلفات والإعلان
وذلك لأن قومي فقدوا (الأب) الواحد الذي يجب أن (يلدوه) في كل جيل ليتكلم بلسانهم ويتبنى قضيتهم ويتولى حراسة ميراثهم القلبي والفكري والمادي حتى لا تمحوه الغفلة أمام الأقدار التي لن تزال تغير أوضاع الناس ومقدرات الأمم، ولا ترحم الضعيف الكسلان المتواني في حراسة حقه وأمجاده بالسيف والقلم، ولا تقيم وزناً لمن لا يقيم وزناً لقوانين الطبيعة وسنن الله فيكتفي بالأماني والأحلام وتزويق الكلام ويترك ما آمن الله به وأولو العلم وهو الوحدة والعدالة والعلم والعمل
فإلى أن يوجد الأب الواحد العادل العالم العامل، فيتولى بوحدة فكره وفنه وضع القضية