العربية الوضع المحكم وتنسيق قواها التنسيق البديع، ويتولى بعدله توزيع الاهتمام والشعور على كل بقعة في الوطن العربي الأكبر، ويتولى بعلمه الإحاطة بالتدقيق والجليل من شئون أمته في بطون وديانها وشعاب جبالها في صحرائها وخضرائها، في حواضرها وبواديها، من الخليج الفارسي إلى الأطلسي، ويتولى بعمله جمع أيديها حتى تكون يداً واحدة، تصفق بها في مواثيقها وعهودها صفقة واحدة، وتلوح بها لأعدائها قبضة واحدة وتضرب بها قيودها وأغلالها ضربة واحدة أقول إلى أن يوجد ذلك الأب لا أقل من أن ينشد لها القادرون على الإنشاد والبيان بمزامير وأبواق تهتف في أرضها النائمة بنداء اليقظة والانبعاث في فجر الحياة الجديدة التي لا بد فيها لطالبي المجد من التبكير للسبق في المضمار
وإن قدر الله - لا قدر! - فأفلت الحاضر الراهن من أيدي العرب من غير أن يجمعوا أمرهم ويخفوا في طريق الحياة مع الزمن الذي يجري بالناس، ويخضعوا أجسامهم وعقولهم لضرورات العلم والقوة والاتحاد ملاقاة الصعاب بجبهة متحدة، فسوف تموت آمال تحبط أعمال وتحدث أهوال!
ولست أعلم زمناً أصلح للسعي إلى تحقيق الجبهة العربية الواحدة، وأدعي إلى الإيمان بها من هذا الزمن الذي تداس فيه الأمم الصغرى، ولا يكون فيه لغير القوميات الكبرى وزن، أو اعتبار في أي معيار. .
ولست أعلم كذلك قوماً لهم مثل أوطاننا المتصلة المكونة من مجموعة نادرة فريدة من الوديان والسهول والجنات والأنهار، ولهم مثل أعلى واحد في العقيدة والتقاليد والأخلاق، ولهم لغة واحدة يفرغ عليها التاريخ والدين جلالاً وسحراً، ثم يتوانى قادتهم وزعماؤهم في استغلال هذه الظروف والفرص هذا التواني الذي وراءه التفكك وتبديد الميراث
ويشهد الله أنني لا أتمنى قيام القومية العربية للانتفاع فقط بما فيها من العزة لكل فرد ينتسب إليها، ولا لما فيها من الخيلاء والكبرياء اللتين تصاحبان الغرور القومي لدى أكثر الأقوام. . . ولكنني أتمنى قيامها للاعتزاز أولاً بمثلها الأعلى الذي رفعته ورفعت الحياة به أيام أن كان لها السلطان والصولجان. . . ذلك المثل الذي لا يتحقق التوازن الدولي، والعدل الطبيعي إلا به، ولا يضع علاقات مودة، ومعاني بر جديدة بين شعوب الأرض إلا