للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه الثقافات على رأي عام يقوم عليه الشعب ويحرص على تنفيذه، ويأخذ في الإعداد للوصول إليه درجة بعد درجة. وكذلك يبقي الشعب إلى النهاية وهو بدء لا ينتهي وفي اختلاف لا ينفضُّ، بل يصير ولابد إلى المعاداة والمنابذة والأحقاد التي تورثها السياسة الاجتماعية الخفية التي طغت على الشرق من قِبَل حضارة قوية باهرة عظيمة كالحضارة الأوربية

ولا يزال أهل الشرق مختلفين ما بقيت هذه الثقافات المتعددة من مدارس التبشير إلى المدارس الإلزامية، تمد الرأي العام بأصحاب الآراء المختلفة والعقول المتباينة. ولن يصلح أمر هذا الشعب حتى يناهض ذلك كله بانصرافه إلى مدارسه ابتغاء توحيد ثقافته على أصل واحد. والأصل الضعيف الموحد في ثقافة الشعب خير وأنفع من الأصول المتعددة القوية، لأن هذه تغري بالتفرقة والعداء، وذلك يؤلف ويوفق ويضم أشتاتاَ ويقيم القلوب على الإخلاص والتفاهم

فقهاء بيزنطة

وهذا مثل جيد ضربه الأستاذ الزيات لاختلاف عامة المسلمين على بعض أحكام الفقه الإسلامي والسنة النبوية، وبغي بعضهم على بعض في ذلك، وتركهم الأصول الإسلامية التي ترفع المسلم إنسانية فوق إنسانية، وتمحِّصه من الجهل والضعف والفساد والذلة. وكيف يختلف علماء المسلمين على فروع من دينهم ويدعون الأصل لا ينفذ نوره إلى قلوب هذه الملايين من المسلمين، فيطهر أدرانها ويزيل غشاوة العمى التي ضرب عليهم أسدادها.

وضرب الله مثلاً فقال: (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على العالمين. وآتيناهم بينات من الأمر، فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ثم جعلناك على شريعة من الأمر، فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون).

فقد بين الله سبحانه أن اختلاف من سبقنا لم يكن إلا بغياً من بعد أن جاءهم العلم، وأنه جعل المسلمين على شريعة من الأمر وحق ذلك ألا يقع الاختلاف بين المسلمين إلا في رأي لا يفضي إلى فرقة، وعلى ذلك كان السلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوا قوله: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، وقد نهى عن الجدل والمراء وتناهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>