للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مستقر ماض على أسبابه إلى النهاية غير مختلف ولا متنافر

وقد كان من نتائج هذين الأمرين العظيمين - حين استيقظنا وأبصرنا - أن تعددت الثقافات في الشعب الواحد، وتنابذت العقول على المعنى الصحيح، واختلفت المناهج المفضية إلى الغايات، وعاون ذلك ما ورثناه من الجهل الداعي إلى العناد والمكابرة واللجاجة؛ فاستشَرى داء العصبية وأصبح العمل عندنا لا يكون عملاً حتى يحاول أن ينقُض كل ما سبقه من العمل، وتعاقبت على الأمة أطوار بعد أطوار ولا نزال في عهد الإنشاء، ولا تزال اللجان تجتمع عاماً بعد عام لتقرر وتضع، وليس إلا التقرير ولوضع وحَضَانة المذكرات!!

وكذلك احتل نظام الرأي العام، وهو لا يكون إلا من اشتراك الجماعة في الأصول الثقافية كلها، واختَل أيضاً مكوَّن الرأي العام، وهو الصحافة وما ينزل في ذلك منزلتها، فتكَون من الصحف المختلفة المبادئ آراء متخالفة، لا بل متباعدة، لا بل متعادية؛ كلا بل هي في الواقع لا تمس جوهر حياة الشعب العامل المستَهلك في الزراعة والصناعة والجهْل أيضاً. . . وحتى لا نجد صحيفة واحدة قد بَنَتْ دعوتها على أصولٍ بينة موافقة لحاجة هذا الشعب، وعلى هذه الأصول تأخذ وتدع، وتحبذ وتنقد، وتهدم وتبني، على تعاقب السنين وتغير الظروف والأحوال

التبشير

وأحدُ الأمورِ التي ابتُغىَ بها العملُ على إضعافِ الشعب والتفريق بين أهله، وإيجادُ ضروب من الثقافات في بلد واحد يجب وجوباً قطعياً - كما يقولون - أن تتوحد ثقافته - هو ما اتخذوه من التبشير ومدارسه المختلفة، وما يبطن أصحابها وما يظهرون. وليس التبشير هو الدعوة الصريحة إلى الدين المسيحي، فإن هذا لا يمكن أن يكون في بلد جل أهله من المسلمين، وخروج المسلم من دين الإسلام إلى دين غيره يكاد يكون مستحيلاً في العامة من الشعب، ويكاد لا يصح عند المتعلمين وأشباه المتعلمين. وهذه حقيقة يعرفها المبشرون قبل أن يعرفها المسلمون، وإذن فليس الغرضُ من التبشير هو المفهوم من لفظه، ولكنه الذي أشار إليه الأستاذ (الزيات) في مقاله، ثم إيجاد ضرب من الثقافة الأدبية والخلقية والعقلية يناقض ضروباً أخرى من الثقافات المختلفة في مدارس الأجانب والمدارس الوطنية، وبذلك تتعدَّد المناهج الفكرية في حياة الشعب، ويعسر بعد ذلك أن تتحد

<<  <  ج:
ص:  >  >>