وكان جلداً على ركوب الخيل. وكثيراً ما قطع ثمانين ميلاً في اليوم. وقد أمضى معظم حياته في الأسفار والحروب
ولكن نوبات الحمى وكثرة تطوافه وتقلب الغير بها دهراً، والشدائد التي قاساها، والخمر التي لم يسلم منها أحد من بني تيمور، ثم الأفيون - كل هذا أنقض ظهره وناء بجسمه القوي. فها هو ذا على فراش الموت في قصره الجميل وحديقته في مدينة أكرا
مات بابر سنة ٩٣٧هـ في سن التاسعة والأربعين (٢٦ ديسمبر سنة ١٥٣٠م) بعد سبع وثلاثين سنة من تملكه في فرغانة
- ٣ -
وكان بابر كسائر بني تيمور مولعاً بالآداب والفنون، يقرأ الشعر وينظمه، ويعجب بالأبنية الجميلة، ويهتم بتنسيق الحدائق وغرس الأزهار، ويكلف بالغناء والموسيقى.
ونحن نراه في (بابر نامه) يفزع إلى نظم الشعر في أشد أوقات محنه، كما نراه يتحدث عن الأدباء الذين اجتمعوا في هراة حول السلطان حسين ووزيره العظيم مير علي شير مواني حديث عارف ناقد. وله ديوان صغير بالتركية تتخلله قطع فارسية.
وفي هذا الديوان منظومة في نحو ٢٥٠ بيتاً وهي نظم الرسالة الوالدية بعين الله المعروف باسم خواجه احراء من كبار الصوفية، وتعرّفنا بابر نامه الأحوال التي نظمت فيها هذه الرسالة. وأنا أثبت هنا ترجمة هذه النبذة من الكتاب لتكون مثالاً من أسلوبه في تسجيل الحوادث وتفصيلها:
(يوم الجمعة ٢٣ من هذا الشهر (صفر)، أحسست الحمى في جسدي، حتى لم أستطع أن أؤدي الصلاة في المسجد إلا بمشقة؛ ولم أستطع أن أصلي الظهر في خزانة كتبي إلا بعد تأخير، ومع جهد كبير. وفي اليوم الثالث، يوم الأحد، خفت الرعشة قليلاً. ويوم الثلاثاء ٢٧ صفر، خطر لي أن أترجم نظمي الرسالة الوالدية مولانا عبيد الله. التجأت إلى روح الشيخ وقلت لنفسي: إن قبلت هذه القربة عند الشيخ كان إبلالي من هذا المرض آية القبول كما خلص صاحب البردة من مرضه.
(نظمت هذه الليلة ١٣ بيتاً، وشرطت على نفسي ألا أنظم أقل من عشرة أبيات كل يوم،