للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يضربني بها؟ إذن والله لأريته عز الرجال ولضربته ضرباً يبلغ مستقر اللؤم في نفسه. . . وخشيت أن أترّيث أو أتلوّم فأخيب وأفشل، وذكرت حكمة حَمَدْ بن عْلوي: (الغلبة لمن بدأ) فشد ذلك من عزمي وصرخت: (يا هُو. . .) ووثبت وثبة أطبقت بها على عنقه، وقلت: سترى لمن الجرائد والسياط، الابن المدينة الخوار الفرار، أم لابن البر الحر؟

فارتاع وأبيك وجعل يصيح من جبنه: ادركوني، انقذوني! النجدة، العون، يا فلان (لابنه) أقبل. . . ويلك يا صْلَبيَ، يا مجنون، كف عني، ويلك ماذا اعتراك؟

فأخذتني به رأفة فكففت عنه، وقعدت محاذراً أرقب أهل المنزل، وقد اجتمعوا ينظرون إلي بعيون من يهم بفري جلدي. فقال لي: ما أردت بهذا ويلك؟ وبم أسأت إليك حتى استحققت منك هذا الصنيع؟ قلت: بالجرائد. . . امثلي يضرب بالجرائد، لا أم لك؟

فضحك والله وجعل يكركر حتى لقد شبهت بطنه بقربة جوفاء أدخلتها الماء. وضحك كل من كان حاضراً من أهله وبنيه ضحكا ما شككت معه أن القوم قد أصابهم طائف من الجن، فقلت: قبحكم الله من قوم، وقبحني إذ أنزل بمثلكم وهممت بالانصراف. فصاح بي وعزم عليّ إلا ما رجعت، فبررت بيمينه وقفلت راجعاً فقال لي:

وأنت حسبت الجرائد مما يضرب به؟ ألم تبصر جريدة قط؟ قلت: ويحك فكيف إذن؟ أنا من بلاد النخيل، تبوك حاضرتي

قال: وتحسبها جرائد نخيل؟ قلت: إذن فجرائد ماذا؟ قال: خذ؛ هذه هي الجرائد

وألقى إلي صحفاً سوداً بها من دقيق الكلم مثل دبيب النمل، فعجبت منها وسألته أن يقرأ عليّ مما فيها فأستفيد علماً ينفعني في آخرتي، فإن الرجل لا يزال عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل. ولقد سمعت أنه جاء في الأثر (كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولا تكن الرابعة فتهلك)

فضحك وقال: وهل تظنها كتب علم؟ قلت: فماذا فيها مما ينفع الناس؟ قال فيها أخبار البشر - من سافر منهم أو حضر - أو تزوج أو ولد له، فما يصنع أحد من شيء إلا دوِّن فيها، ولا ينبغ من عالم أو أديب أو يقدم مغنّ أو تجيء قينة أو تأمر الحكومة أو تنهى إلا ذكر ذلك فيها، حتى أن فيها صفة الخمر والإعلان عن الميسر، وأخبار دور الدعارة، والدعوة إلى الروايات الخليعة. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>