فلما سمعت ذلك طار عقلي وأخذت هذه الجرائد فمزقتها شرّ ممزقّ، وعلمت أن الله مهلك هذه القرية، وعزمت على مفارقتها ونويت ألا أعود إليها بعد الذي سمعت من خبر جرائدها. . . وما ظننت أن مثل ذلك يكون، ولم يجتزئ صاحبي بما أعلمني من علمها بل عمد إلى صحف أخرى كانت في أيدي صبيانه وبناته فيها صور قوم عراة تبدو عوراتهم، ونساء ما يسترهن من شيء إلا شيئاً ليس بساتر، فأرانيها، فسقط والله من عيني وقلت، هذا القرنان الذي لا تأخذه على أهله غيرة، وما كنت أحسب أن رجلاً يؤمن بالله واليوم الآخر يفعل ذلك. . .
ولست مطيلاً عليك الحديث. . .
. . . وذهبنا نزور سنمة فسرنا حتى بلغنا قصراً عظيما على بابه خلق كثير، وله دهليز تسطع فيه الأضواء، فقلت، هذا قصر أمير البلد، هذا الذي يدعونه رئيس الجماهير. . . وألهاني ما رأيت وشغلني ففقدت صاحبي وسط الزحمة. . . ولكني لم أُبال، وأقبلت أصعد الدرج فمنعني أغلمة بثياب ضيقة حمر ما رأيت مثلها، وعلى رؤوسهم كُممٌ لها رواق من فوق عيونهم كالذي يوضع على عيني بغل العجلة. . . وأفخاذهم مكشوفة فعل أهل الفسوق والتهتك، فهممت أن آخذ اثنين منهم فأكركبهم على الدرج فأزحلق بِعَدهم عن مواضعها، ثم قلت، ترفق يا صلبي لا تجنّ فما أنت في البادية، أنت في قصر الأمير وهؤلاء مماليكه وإنك إن مسستهم لم تجد أمامك إلا ضرب العنق. . . ووضعت يدي على عنقي أتحسسها فعلمت أني لا أزال أحتاج إليها
ولو أنني في السوق أبتاع مثلها ... وجدك ما باليت أن أتقدما
وسألت الغلمان الكاشفي الأفخاذ ماذا يريدون مني أن أصنع، فأشاروا إلى كوّة ازدحم عليها الناس، فعلمت أن الدخول من هناك، وأقبلت أزاحم وأدافع وهم يردونني حتى بلغت الكوة. فإذا هي غرفة ضيقة كأنها القفص وإذا فيها رجل محبوس والناس يتصدقون عليه، فقلت في نفسي: هذا رجل ضرب مماليك الأمير فحبسه هنا لتضرب عنقه في غداة الغد، وحمدت الله على السلامة، وتوجهت بوجهي إلى رجل توسمته أسأله: متى تضرب عنق السجين؟ فنظر إلي ولم يجب، ثم ولاّني قفاه وانصرف، فعلمت أن الأمير يمنع الناس من الكلام في هذا، ولولا ذلك لأجابني. ودنوت من كوّة السجين فأعطيته قروشاً كانت معي وقلت له: هذا