للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حتى استنفدت ما كان معه. فمسحت شفتي بيدي وقلت: الحمد الله، جزاك الله خيراً

فظل واقفاً ولم يمض، فقلت: الحمد الله، لقد شبعت. قال: يدك على الفلوس؟ قلت: ويحك ماذا تريد؟ قال: أكلت ثلاثين قطعة كل قطعة منها بسبعة قروش فهذه مائتان وعشرة. . . قلت: قبحك الله من عبد لئيم! تأخذ من ضيوف السلطان ثمن القرى؟

وكان ما أكلت قد شدَّ صُلْبي فوثبت إليه ووثب إليّ، وقام الناس، وزلزل البهو بأهله، وكادوا والله يطردونني لولا أن ظهر صاحبي فانفرد بالمملوك فأرضاه عني، وجاء فقعد معي

وإنا لكذلك يا شيخ، وإذا بالأنوار تنطفئ، وإذا بالخيل تهجم علينا مسرعة حتى كادت والله تخالطنا. فقلت: لك الويل يا صْلَبي، ثكلتك أمك، إنه الغزو فما قعودك؟ وقفزت قفزاتي في البادية، وصرخت وهجمت أدوس على أجساد الناس وهم يضجّون ويصخبون، فلما كدت أبلغ الخيل اشتعلت الأنوار وفر العدوّ من خوف بطشي هارباً، وجاء عبيد السلطان ليخرجوني فردَّهم عني صاحبي وكلمهم. . .

فقلت: هذا والله العجز والذل، فقبح الله من يقيم عليهما ترون العدو قد خالطكم وتلبثون قعوداً؟ ما أكرهكم إلي يا أهل المدن، ما ظننت والله إلا أنكم ستحملون إلي صلة السلطان على أن رددت عدوّكم وهزمته. . .

فضحك اللئام، وجعل صاحبي يحذرني العودة إلى مثلها؛ ولم ألبث حتى أطفأت الأنوار كرّة أخرى؛ ففزعت ونظرت فما أحسست إلا امرأة قد قبض عليها رجل خبيث وأنا أسمع صياحها ولا من مغيث؛ فثارت الحمية في رأسي وسللت الخنجر وأقبلت أريده، فاختفى والله حتى كأن لم يكن هنالك من أحد. وعادت: الأضواء، ورجع الصخب؛ فقلت: والله ما أقيم، وجعلت أصيح أخرجوني ويلكم. . . حتى أخرجوني. . .

قال صْلبي: فخرجت وقد علمت أن جرائدكم يا أهل المدن تنشر الفجور وتهتك ستر الله عن الناس وتفضحهم، وأن شبابكم بنات، وأن أمراءكم سحرة يسحرون أعين الناس حتى يروهم ما لا يُرى. . . ثم إنكم لا تغارون على أعراضكم، ولا تبالون كشف عورات أبنائكم وبناتكم. لا والله ما أحبكم. . .

وذهب مولياً عني مسرعاً يمشي بين تلك المواخير القذرة: ترياتون وليدو وأوليمبيا. . . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>