للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن هذا يا أحمق؟ وأمر به فأخرج

وقد علل ابن رشيق انزلاق الشعراء إلى هذه المآزق، فقال: إنما يُؤتي الشاعر في هذه الأشياء من غفلة في الطبع وغلظ، أو من استغراق في الصنعة، وشغل هاجس بالعمل يذهب مع حسن القول أين ذهب

ثم قال - ينصح لهم -: والفطن الحاذق يختار للأوقات ما يشاكلها، وينظر في أحوال المخاطبين، فيقصد محابهم ويميل إلى شهواتهم، وإن خالفت شهوته؛ ويتفقد ما يكرهون سماعه فيتجنب ذكره

ورأيي أنه كان واجباً على هشام في أبهة الخلافة وجلال الملك وبهاء المنصب، أن يتغاضى عن هنة غير مقصودة من شاعر نقي الفطرة، سليم دواعي الصدر مثل أبي النجم، وأحسب أن هذه السقطة لو وقعت في بلاط معاوية أو المأمون أو الواثق، ما زادوا على أن أسروها في أنفسهم، أو ضحكوا لها ضحكة مدوية! ولو أن هشاماً جعلها دْبَر أذنه ما كان لها هذا الشأن التاريخي ولأكبر الناس رحابة ذرعه، ورجاحة حلمه، ورموا أبا النجم بالفدامة وفساد الذوق!

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر نقول: إن حولة هشام لها نوادر مذكورة في الكتب!

يحدث المسعودى في مروج الذهب: أن هشاماً عرض الجند يوماً بحمص الشام، فمر به رجل من أهلها على فرس نفور فقال له: ما حملك على أن ترتبط فرساً نفوراً؟ فقال الحمصي: لا، والرحمن الرحيم، يا أمير المؤمنين ما هو بنفور، ولكنه أبصر حولتك فظن أنها عين غزوان البيطار! فصاح هشام: تنح! فعليك وعلى فرسك لعنة الله!

وكان غزوان هذا بيطاراً نصرانياً بناحية حمص يشبه هشاماً كل الشبه

ويحكي المبرد: أن سالم بن عبد الله بن عمر، دخل إلى هشام في ثياب وعليه عمامة تخالفها، فقال له هشام: كأن العمامة ليست من الثياب، قال: إنها مستعارة. قال: كم سنك؟ قال: ستون. قال: ما رأيت ابن الستين أبقى كدنة منك! ما طعامك؟ قال: الخبز والزيت. قال: أما تأجمهما؟ قال: إذا أجمتهما تركتهما حتى أشتهيهما.

ثم خرج من عنده وقد صُدِع! فقال: أترون الأحول قد لقعني بعينه؟ فمات من تلك العلة!

ونحب أن نقول بهذه المناسبة: إن الحول قد يعده بعض الناس - وأنا في طليعتهم - من

<<  <  ج:
ص:  >  >>