للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سمات العيون المستملحة كالحور والانكسار والدعج، وبخاصة إذا كان الحول خفيفاً وهو ما يسمى بالقَبَل.

ففي ترجمة ابن سريح: أنه كان في عينه قبل حلو لا يبلغ أن يكون حولاً

وفي أخبار أبي الأسود: أنه اشترى جارية حولاء فغارت منها زوجه وابنة عمه: أم عوف. فكانت تشارُّه في كل يوم وتقول: من يشتري حولاء؟ فلما أكثرت عليه قال:

يَعيبونها عندي، ولا عيبَ عندها ... سوى أن في العينين بعض التأخر

فإن يك في العينين سوءٌ، فإنها ... مهفهفة الأعلى، رداح المؤخر

وقد عد بعض العشاق حول عينيه نعمة من الله تستوجب الشكر والحمد! وساق ذلك في شعر طريف علق عليه أبو هلال العسكري بقوله: إنه لا أظن له شبيهاً!

قال العاشق الشاعر الأحول:

حمدت إلهي إذ بليت بحبها ... على حول يغني عن النظر الشزْر

نظرت إليها، والرقيب يظنني ... نظرت إليه، فاسترحت من العذر

ونعود إلى سياقة قصة أبي النجم فنقول: إن محنته لم تطل، فقد تأذّن الله بكشف الغمة عنه وهيأ لذلك أسبابه!

فأمسى هشام ذات ليلة لَقِس النفس منفّر المنام! وهو عارضٌ كثيراً ما يعتري الخلفاء لما يكابدونه من جهد في تصريف أمور الملك وتدبير شئون الرعية، وإعمال العكر في سدّ الثغور ورتق الفتوق. وكانوا في مثل ذلك يفزعون إلى السُّمار الظراف يتفكهون بأحاديثهم ومُلحَهم. فتقدم هشام إلى خادم له أن يبغيه محدثاً، وأن يكون أعرابياً أهوج شاعراً راوية! ومن يكون ذلك المحدث الأعرابي الأهوج الشاعر الراوية غير أبي النجم؟

وذهب الخادم يبحث عن طلبة الخليفة فقاده حسّه اللطيف إلى أحد المساجد، وإذا برجل نائم فضربه برجله وقال: قم، أجب أمير المؤمنين. فقال الرجل: أنا أعرابي غريب. قال: إياك أبغي، فهل تروي الشعر؟ قال: نعم، وأقوله. فأقبل به من المسجد حتى أدخله قصر الخليفة وأغلق الباب وراءه؛ فذكر الرجل حادثته مع هشام فرجف قلبه وأيقن بالشر المستطير! ولكنه أسلم الله أمره واستقاد للخادم؛ فأدخله إلى أمير المؤمنين في بيت صغير من بيوت القصر، بينه وبين أهله ستر رقيق والشموع تزهَر بين يديه. فلما بصر به هشام قال: أبو

<<  <  ج:
ص:  >  >>