للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إذا أراد الكاتب أن يتحدث عن العصر الإليزابثي ومخلفاته وأن يتكلم عن القصص الموفق الذي ظهر وأحدث ضجة كبيرة لما وجد أمامه إلا قصة رائعة بل هو أروع آثار هذا العهد إطلاقاً من حيث قوة الفكرة وحسن الأسلوب ولما اشتملت عليه من مغزى

كتب هذه القصة شاب نابه يدعى جون ليلي وكان اسمها (يوفيس)، ونحن إن أردنا تحليل الأسباب والدوافع التي كانت سبباً في ظهور هذه القصة وتفوقها على كل ما عداها استطعنا ذلك بقليل من الاستنتاج. فالقصة لم تكتب جزافاً ولم يضعها صاحبها لمجرد الرغبة في الكتابة أو الشهرة، بل إنه أراد بها مغزى عظيماً، إذ حاول أن يظهر ويصف التأثير السيئ والانحطاط الخلقي الذي كانت الحياة الاجتماعية في إيطاليا تؤثره في صغار الشبان الإنجليز النازحين إليها لتلقي العلم والمعرفة

لقد كانت إيطاليا في ذلك الوقت بلاد النور الخلاب يتهافت عليها طلاب العلم، وتفيض هي على العالم علماً وعرفاناً، حتى لقد كان يحج إليها كل متعلم أراد أن يتم حظه من الثقافة أو يزيد نصيبه من العلم. واقتبست إنجلترا هذه العادة عن غيرها من الأمم منذ رحل إلى إيطاليا بعض المجدين من طلبة العلم الذين أظهروا نبوغاً في الأدب من أمثال: كوليت وليناكر وجركن لدراسة اللغة اللاتينية وآداب الإغريق الكلاسيكية التي كانت دراستها باعثاً قوياً في نهضة أدب المسرح والقصة. . . واستمرت هذه العادة عند الطبقة الراقية كتقليد لابد منه لكل من أتم دراسته حتى بعد أن شرعت الجامعات الإنجليزية في تدريس هاتين المادتين

ولم يكن جون ليلي هو أول من فطن إلى ذلك، بل إن أول من أراد منع هذا التقليد هو مؤدب الملكة روجر آشام فلقد أدرك روجر أن هؤلاء الذين يحجون كل عام إلى إيطاليا بحجة الدراسة إنما يرحلون دون نية أو مقصد حقيقي لذلك. فلقد كانوا يجتمعون هناك في مدرسة واسعة حيث كانت الآداب الإغريقية الرائعة تعتبر فيها مادة للهو والتسلية، إذ كانت تترجم إلى اللغة الإيطالية الدارجة بأسلوب وضيع ولغة فجة، فتحولت عن مغزاها العالي الذي كتبت من أجله إلى أداة للاستهتار والتسلية ليس إلا. فأشار روجر إلى كل ذلك في كتاب ثقافي وضعه وحمل فيه على العقائد والمثل العليا في إيطاليا حملة شعواء، وبيّن الأخطار الهائلة التي تعود على الأمة من جراء إرسال أبنائها وصفوة شبابها إلى بلاد لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>