إننا الآن أمم تريدُ أن تسيرَ إلى غايتها في إبداعِ حِضارتها التي سترث جميع الحضارات التي سبقتها، والحضارة التي تأتي من التقليد ليستً حضارة، وإنما هي تزييفٌ وكذبٌ ووثنية جاهلية تنحدر إلى هذا الزمن عن السلالات التي قال الله فيها:(وإذا قيلَ لهم: اتّبعوا ما أنزلَ اللهُ، قالوا بل نتَّبعُ ما ألفيْنا عليه آباءِنا، أو لوْ كان آباؤهم لا يعقلونَ شيئاً ولا يهتدون؟!)
لن نبلغ شيئاً حتى تكون (الحرية والحب) نقيين طاهرين مَبَّرأين كاملين متواضعين، فهما القوة التي تسير بهما الحضارة إلى مجدها وروائعها. إذا عرفنا الحرية وجرتْ في دمائنا فيومئذ تتهدّم كل هذه الأباطيل التي تعوقنا وتقف بين أيدينا من قمامات الرذائل الإنسانية التي قُذفِتْ في طريقنا من أباطيلِ الماضي وترهات القرن العشرين!!
الفن الفرعوني
والأستاذ سلامه موسى قد بنى نقده على ما يسميه (العقائد المجزومة)، وعلى عقيدته في (القرن العشرين)!! ونحن - مع الأسف - لا نبني أبداً كلامنا على (العقائد المجزومة)، ولا على التعصب (للقرن العشرين)، ولو رجع الأستاذ إلى المقالين اللذين نشرناهما في الرسالة عدد ٣٤٤ و٣٤٥ عن محاضرة الدكتور طه، ولو رجع خاصة إلى حديثنا عن (الفن) ما هو، وكيف هو؟ وعن الفنان وعمله في فنَّه - لعرفَ أن دعوتنا كلها مبنيةٌ على تحرير أعمالنا من قيود الماضي والحاضر معاً على أساس من العقل والعلم والفضيلة، فلا يُزرِي عندنا بالقديم قِدمَه، ولا يُرغَّبنا في الجديد جدّته. وإن القول في (القديم والجديد) على إطلاق اللفظ، وجعله لفظاً تاريخيَّا زمنيَّا محصوراً باليوم والسنة، إنْ هو إلا تلذذ بالكلام كما يتمطق آكل العسل بعد أكله من تحلب الريق وشَهْوة الُحلْو، ولو كان في هذا العسل السم الناقع
إن حديثنا عن الفن الفرعوني، وأنه لا يصلح أن يكون شيئاً يستمد منه الفنان في زماننا، لا يمت بصلة إلى الرأي الذي ذهب إليه الأستاذ سلامة موسى في فهم كلامنا، لأننا نظرنا إلى شيء واحد، وهو تحرير الفن من التقليد، ثم معرفتنا أن الفنان لا يستوحي كما يقول الأستاذ سلامة من فنون غيره. بل إن الفنان عندنا هو القلب النابض الذي يفضي إليه الدم الحي الذي تعيش به حضارة أمته في عصره، والفن إن هو إلا نتيجة من نتائج الاجتماع