الإنساني والطبيعة التي تحتضنه، والعقائد التي تسيطر على الشعب وتملأ قلبه بالإيمان بها والفكر فيها، فإذا لم يكن الفن ناشئاً من ثَمّ، فاعلم أنه ليس بفن وإنما هو كذب مضرَّج بتحاسين قوس قزح، وما أسقط الفن الرفيع في زماننا وفي بلادنا إلا أنه نتاج العقول المزيفة بالتقليد، والخيال المدلس بالسرقة، وهذا الهمج الهامج من الفنانين والأدباء والشعراء والعلماء أيضاً ممن يعيشون بأدواتهم تحت جناح الليل الأسود وفي ستره، ثم يقبلون على الناس إذا أصبحوا فيقولون: أين كنتم؟ يقولون: كنا نستوحي، ثم يخدعون الناس بزيفهم وبهرجهم. لأنهم لا يعلمون من أين يأتي هؤلاء هذا الوحي. . . ولو علموا إنما وحيهم وحي اللص الذي يبدع له المال، وإنما هو دبيب واستخفاء وحرص، و (طفاشة) تهشم بها أقفال خزائن بعض الناس، يستخرجون كنوز غيرهم ليتنبّلوا بزينتها وجمالها
الحرية هي أصل الفن كما بينا، وكما هو ظاهر كلامنا، وأما الاستيحاء من فنون القدماء لإنتاج فن لا يتصل بمدنيتنا بسبب إلا القدم والوراثة وتاريخ هذه الأرض، فهو إبطال للفن ومعنى الفن وقيمة الفن، وإلا فما الذي فعله الأستاذ المثال القدير (مختار) إلا أن نقل صورة لا معنى لها في عقائد الشعب المصري الحاضر، هي صورة أبي الهول، وليس فيها معناه القديم الباسط ذراعيه في جوف رمال الصحراء هناك، ثم ماذا؟ ثم جعله مقعياً بعد أن كان باسطاً متطامناً، ثم ماذا؟ ثم ألصق إلى جانبه فتاة تضع يدها على رأسه. . . سبحان الله هذه نهضة مصر، وهذا هو فن القرن العشرين!!
إذا كان الأستاذ سلامه موسى أو غيره يريد أن يناقشنا في هذه الآراء، فليناقش على أساس واحد، هو أساس الفن، وما هو، ومن هو الفنان. أما (القرن العشرين)، وأنظمة مكافحة الأوبئة، والنظام الاقتصادي، والعلوم، وما إلى ذلك، فليس له مدخل أو سبب في الطبيعة الفنية، وتقدير الآثار الفنية، وهل يمكن أن تكون فناً إذا كانت تقليداً واستيحاء وتشاكلا ذكياً بارعاً؟
كل فن يأتي من التقليد واستيحاء فنون الناس، وكل فن يتولد من شهوة التقليد وبلادة العزيمة وعبودية الروح، فهو فن كالمولود السَّقط في آخر تسعة أشهر من حمله. . . فيه صورة الحي ولكن ليست فيه الحياة، فيه قوة المشابهة للحي ولكن ليست فيه قوة استمرار الحي على الحياة