للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهناك اختراعات واكتشافات لم يتوسع نطاق استعمالها واستغلالها لمنافع الإنسان إلا على أساس التجربة والمعادلة الرياضية

ويمكن القول إن علمي الفيزياء والفلك بفروعهما المتنوعة قد وصلا إلى درجة كبيرة من الدقة والكمال بفضل الأرقام والمعادلات. جرّدْ هذين العلمين من رياضياتهما بل جرد الكيمياء الحديثة من معادلاتها وقوانينها فلا يبقى إلا تعاريف ومبادئ أولية لا يمكنك ولا بحال الاستفادة منها أو تطبيقها فيما يعود على البشرية بالنفع والخير. ولن يستطيع العالم مهما كان قوي العقل خصب الفكر أن يقف على أسرار الطبيعة والكون، بل لن يستطيع الغوص ليقف على كنوزهما وعجائبهما إلا إذا ألمّ بالرياضيات وكانت عنده خبرة بها. وإن الكيمياء الحديثة لفي حاجة إلى الرياضيات حاجتها إلى التجربة والاختبار، وناهيك بالكيمياء فهي الأساس الذي شيد عليه صرح الصناعة في هذا العصر، وقد ازدهرت ازدهارها العجيب. إن هذا العصر لهو عصر الهندسة والآلة. وكل هذه في حاجة إلى الرياضيات، ولا يمكن الاستفادة منهما أو تطبيقهما على مقتضيات العمران إلا بذلك، ويمكن القول: (إن مدنيتنا التي ترتكز على الاستفادة من الطبيعة والسيطرة على عناصرها مبنية على أسس العلوم الرياضية) وقد أثبت العالم الأمريكي الشهير (ملكن أنه (إذا أزلنا من العمران الحالي أحد القوانين الرياضية التي ابتدعها وحققها نيوتن لوجب أن نزيل كل آلة تجارية وكل محرك ومولد كهربائي بل كل آلة تستعمل لتحويل القوة إلى حركة لأنها كلها بنيت على هذا القانون الرياضي الشامل. ولسنا بحاجة إلى القول إن نيوتن لم يقصد من قانونه استنباط آلة تجارية أو سيارة أو طائرة. ولكن أليس من المدهش حقاً أن هذه المخترعات وغيرها بنيت على قانونه وأننا إذا أزلناه تهدم عمراننا كأنه بيت من ورق). فالهندسة بأنواعها والملاحة والصناعات المختلفة أكل هذه تحتاج إلى الرياضيات، ولا يمكنها أن تزدهر وتثمر بدونها، بل إن أسس إنشائها وتقدمها قامت على الأرقام والمعادلات. وما يقال عن هذه يقال عن علوم أخرى إلى حد ما، فإن هذه كلما تقدمت وكلما استطاعت أن تدخل الأرقام والمعادلات في بحوثها أصبحت دقيقة واقتربت من الكمال. فالعلوم على اختلافها وتعددها إذا اقتربت من الكمال فإنها لا بد محلقة في سماء الرياضيات وفي جواء من المعادلات والأرقام

<<  <  ج:
ص:  >  >>