للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين أمها وأبيها إلى البيت وهي صامتة، لأن معاني ذات خطرِ كانت تُطيف برأسها. . .

ونامت تلك الليلة بين هتاف وتصفيق وأكداس من الزهر: لقد كانت عيناها مغمضتين ولكن قلبها يقظان؛ وتمثل لها في أحلامها كلُّ ما رأت وسمعَت وشعرتْ، وراحت أحلامها تنسج لها أمانيها. . . وتلقَّت الدرسَ الأول في تلك الليلة، فنسيت به كل ما تعلمت من دروس!

لقد ذاقتْ قدريةُ من اللذة الفنية ليلتئذِ ما لم تذق طوال سنيها التي عاشت، فشاقها أن تستزيد. . .

ولما عادت إلى المدرسة بعد يومين، وسمعتْ ثناءَ معلَّميها ومعلماتها، أجدَّ لها ما سمعتْ معاني أحست في أعماقها صداها ووجدت فيها غذاءَ لأمانيها. . .

. . . وتناولت (المجلةَ) التي تعودتْ أن تقرأها في كل أسبوع، فراحت تعبر صفحاتها معُجلة حتى انتهت إلى صفحة (الفن) فتلبثتْ، وأخذت تنظر إلى صور الراقصات ونجوم المسرح معجبة متمنية. . . وفي أذنها صدًى بعيد من هتاف النظَّارة وتصفيق المتفرجين. . .!

ولما حان عيد مولدها وأرادت أن تتصوَّر - على عادتها في كل سنة - لم يحلُ لها إلا وضعٌ واحد تبدو فيه صورتهُا، فلبستْ ثوبها الذي كانت ترتديه ليلتئذ ووقفت بعضَ مواقفها واستحضرتْ صورةَ ما كان. . . فانطبعت في الورقة صورةٌ من مشاهد ذلك الماضي، وتمثلتْ في نظرة عينيها تمامُ صورته!

ووقفتْ ذات مساء على باب مسرح كبير من مسارح اللهو تجيل عينيها في إطار كبير يضم شتيتاً من صور الراقصات وربات الفن، وطالت وقفتها؛ ثم انصرفت؛ وفي الليلة التالية كانت جالسة في الصف الأول من بهو المسرح تشهد التمثيل وحدها، ليس معها أحد من ذويها؛ واستطاعت في ختام الليلة أن يكون لها رأي فيما شهدت من ألوان الفن وفي عيوب الممثلين وغلط الراقصات. . .!

وفي الصباح كانت جالسة إلى بعض زميلاتها في حوش المدرسة تحدثهن حديثاً طويلاً عن عيوب الفن المصري في الرقص والتمثيل والغناء، وتشخّص العلة وتصف الدواء؛ وأمَّن صديقاتها على ما قالت؛ فما تشك واحدة منهن في أن من حق قدرية أن يكون لها رأي في الرقص والتمثيل والغناء؛ وإنهن ليسمعن من حديثها كل يوم ما يشهد بكفايتها وسعة معارفها

<<  <  ج:
ص:  >  >>