وأرجوه، مذ جاءني نبأك، وعلمت عنك تلك الطعنات الدامية التي صوبتها نحو رأيي في العالم وخيره
فولتير - أوه! لقد أنسيت كل شيء. . وكأنما أذكر الآن حلما مبهما يجول في حنايا الرأس. . . ها هوذا ينجلي ويتضح. . . لقد ذكرت! فأنت الذي زعمت يوما أن تلك الحياة الفانية مفعمة بالخير مترعة بالآلاء والنعم، وأنه لم يكن في الإمكان أبدع مما كان!. .
هذا كثير - لعمر الحق - أن يقال في عالم سداه الشر ولحمته البؤس والشقاء!
ليبنتز - أليس الله، وهو رب الكون وخالقه، حكيما عميق الحكمة، خيرا واسع الخير؟ وصور لنفسك هذه الحكمة المطلقة فقد تآزرت مع ذلك الخير الأسمى في خلق العالم ثم حدثني كيف يكون. أليس من المحقق أن يجيء العوالم؟ هذا حق لا ريب فيه، لأن الله تعالى يصدر عن منطق مستقيم يتفق مع كماله ولابد لذلك المنطق الكامل إن ينتج عالما أدنى ما يكون إلى الكمال لأنه إذا خلق عالما دون المستطاع، كان في عمله ما يمكن تهذيبه واصلاحه، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فولتير - أما أن في العالم شرا فحقيقة فوق الجدل، وإذن فاختر لنفسك واحدا من اثنين لا ثالث لهما. إما أن يكون الله قادراً على ان يرفع عن العالم السوء والشر ولكنه لا يريد، وإما انه يريد ولا يستطيع، وكلا الفرضين شر من أخيه! لك أن تقول عن العالم ما تشاء؛ أم أنا فقد كنت في تلك الحياة الدنيا شقيا بائسا، قرحت كبدي الكوارث، وكلم فؤادي العنا والألم، ومع ذلك فقد كان لزاما عليَّ ان أحيا!! وأحسب أنني لم انفرد بذلك العبء الثقيل، فلست أشك في أن الأحياء جميعاً قد عانت من الشر ما عانيت. . تذكر يا عزيزي ليبنتز ذلك العقاب الكاسر، وهو ينقض على فريسته الوديعة المطمئنة، فينهشها بمنقاره المرهف العاتي، وعبثا ترتعش منها الفرائص وترتجف الأعضاء، وعبثا تصيح، فصيحات الغوث ذاهبة في الفضاء والعقاب ماض لا يحول نابا ولا ينزع مخلبا، وعندئذ هبط على العقاب نسر جارح مزق منه الأشلاء ونثر الدماء، وأخذ يلتهم طعامه هنيئا ولولا أن صائدا من الأنس قد كمن له في الغاب، وما هي إلا لحظة حتى أرسل إليه قوسا كانت تحمل حتفه سهمها، فلما ان جاء ذلك الإنسان الظافر إلى حومة الوغى، ودارت رحى الحرب، داهمه الردى، فانقلب صريعاً يسبح في لجة من الدماء البشرية فيرطم جسدا هنا وشلوا هناك!!