وتدور عجلة الدهر فإذا الإنسان الشامخ بأنفه قد بات طعاما تتخطفه العقبان والنسور!! تلك هي أسطورة الحياة يا عزيزي.
حلقات متلاحقات من عذاب مر أليم، تنتهي بالحياة إلى الموت والفناء. . مأساة ترتعد من هولها الفرائص، وتطير منها النفوس شعاعاً، أفتزعم بعد هذا أن شقاء الفرد سبيل إلى سعادة المجموع وتصيح بصوتك المرتعش المتهدج ان ليس في الأماكن أبدع مما كان؟ لعمري انك لفي ضلال بعيد، إلا أن الكون بأسره لينهض الآن لسانا ناطقا بإنكار ما تقول، بل لكأني ألمح قلبك الذي تحمله بين جنبيك، ينبض في ثورة وجموح ليرد ما يفيض به رأسك من خداع. أليس من سخرية الدهر وعبث القدر ان تكون الحياة لغزا مغلقا من دون البشر، وأن يكون الإنسان وهو صاحب الدار دخلا لا يعلم من أمرها شيئا، فلا يدري أني جاءت به الحياة، ولا أين يذهب به الموت؟ بارعاك الله! لله ما أمرك حياة تلك التي كتب علينا أن نحياها حينا من الدهر، وعجيب الأمر أن ترى من الأقوام الغافلين من تنطلق ألسنتهم بحديث السعادة والخير؟!.
عفواً أصدقائي، فإنما تحدثكم الآن ما أثخنته الحياة في نفسي من جراح دامية لم تزل عندي عميقة الأثر قوية الذكرى.
سبينوزا - أي عزيزي فولتير! هون على نفسك الامر، فليس الفرد إلا جزءاً من كل عظيم، وانك لتبتغي شططا إذا أردت أن يصغي الوجود بأسره إلى صالح الأفراد، وهي متنازعة متنافرة. ان في ذلك لشراً وفوضى. فلست أرى في الكون إلا قانونا خالداً وصوراً فانية، وحسبه دقة وكمالا أن يسير ذلك القانون في استقامة لا التواء فيها ولا شذوذ، أما هذه الصور المادية الزائلة التي تروح وتغدو، فلا يضير الكون في كثير أو قليل أن تشعر بألم أو سعادة! وهل تستطيع أن تحدثني عن الشر والخير ما هما؟ انهما لفظان قد اصطلح عليهما البشر، وليس لهما في عالم الحقيقة وجود. . .
خذ قلماً وقرطاسا، وارسم طائفة من المثلثات المختلفة نوعا وحجما ثم امح منها ما تريد، وارسم سواها أو لا ترسم شيئاً، والبث هكذا ساعة من زمانك، غير في أوضاعها وبدل في أشكالها ليكون لك في النهاية زخرف جميل. . . هب تلك المثلثات كائنات شاعره يتعاورها السرور والألم، وأنك علمت أن واحداً منها غاضب لأنه جاء من الزخرف في مكان