تبين لنا مما تقدم شيوع تعدد الأزواج ونكاح المشاركة وغيرها بين العرب، إذ لا سبيل إلى معرفة الأب بل ولا حاجة إلى معرفته أبداً، إذ لم يكن الزواج معروفاً، وإذ كان الولد يتبع أمه ويتعلق بها في جميع أموره، على أن الرجل أخذ يشعر بالميل نحو طفله، وبالعطف على ولده الذي كان هو سبب وجوده في هذا العالم، واشتد ميله إلى الاعتناء به وضمه إليه، وإلحاقه به، فنشأ عن هذه الظاهرة الجديدة، عادة تعين أباً اختيارياً للولد، معتمدين في ذلك على الظواهر خارجية وعلامات خاصة، وقد يكون تعين هذا الأب أندر في زواج المشاركة منه في تعدد الأزواج الذي كان يملك فيه بعض الأقارب - أو بالأحرى بعض الأخوة - امرأة واحدة. ففي هذه الحالة كان الأخ الأكبر أو من تنتخبه المرأة، أو من تعينه القافة، يأخذ على عاتقه تربية وليدها ويتبناه، كما أنه يعد - غالباً - أباً له، وإن لم يكن في الحقيقة أباه. ولم يأخذ العرب بهذه الظاهرة الجديدة، إلا بعد شيوع تعدد الأزواج ونكاح المشاركة، وظهور أول مبادئ الزواج الفردي في المجتمع الإنساني، إذ أنه لو كان دائماً للولد أب حقيقي أو كان يعين له والد ولو بتلك الطريقة الاختيارية، لصعب على كل باحث أن يدرك الأسباب التي دعت إلى حصر القرابة في الأم. فكثيراً ما نجد أن الولد في الجاهلية، ليس له أب حقيقي بل لم يكن أحد يتبناه وهذا ما أدى إلى شيوع الأمومة في العرب أو التمسك بقرابة الأم.
ومن الأدلة الواضحة على شيوع الأمومة عند العرب، قبل قيام نظام الأبوة عندهم، لفظة (بطن) التي تستعملها العرب حتى اليوم بمعنى العائلة أو القبيلة، ولا ريب، أن هذه الكلمة بمعناها الحقيقي تدل - في زمن مضى - على أن المرأة كانت مصدر العائلة ومحورها.
ومن آثار الأمومة أيضاً، اعتقاد العرب بانتقال الصفات الطبيعية من الرجل إلى ابن أخته، وإن لم يكن بينهما في الحقيقة صلة رحم تجمعهما، وهم إلى ذلك يؤمنون أن الولد ينشأ على غرار خاله، في أخلاقه وميوله وعاداته، دون أبيه، لأنهم وثقوا بصلة داخلية جد قوية بين الخال وابن أخته، يوم كان الولد يتبع نسب أمه وينتسب إليها؛ فكم من أمير من أمراء الجاهلية خلفه ابن أخته في زعامته، وورث عنه ألقابه وأمواله، دون أولاده؛ لذا كان العرب يفخرون بالخؤولة فخرهم بالأمومة.
وكذلك الرق، فإنه أثر من آثار الأمومة، انتقل إلى الإسلام من الجاهلية، ومن صفاته أن