فليس السبب الحقيقي إذن في شيوع الزواج الخارجي بين العرب وأد البنات، بل هو شدة كراهة العرب لزواج القرابة. قال المستشرق إن من جملة الأقوال الحكيمة التي أبقاها عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة الشهيرة وصيته لأولاده:(لا تتزوجوا في حيكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض) ثم أتى بمثل يشتم منه كراهة العرب للزواج داخل الحي، أي الزواج وهو: الغرائب ولا القرائب
فالعرب إذن كانت في الأزمنة الغابرة على النكاح الخارجي وإن أخذت بالزواج الداخلي حيناً من الزمن، إذا أصبح رجال القبيلة الواحدة يتزوجون من نساء قبيلتهم، وليس في قبيلة أخرى؛ إلا أن هذا الزواج لم يكن شائعاً شيوع الزواج الخارجي.
ولقد رافقت الزواج الخارجي ظاهرة جديدة أخذ العرب بها، هذه الظاهرة هي التحاق الزوج بزوجه وبالتالي بأسرتها وبقبيلتها فبقاء المرأة، بعد زواجها، في قبيلتها، وحملها زوجها على الإقامة حيث تقيم بين أهلها، تعد هذه الظاهرة صفة من صفات الأمومة، وكان من أمر هذا أن تبع الولد أمه والتحق بنسبها
فطن العرب إلى أهمية الزواج الخارجي من الناحية الوراثية، إذ يكون النسل قوياً عقلاً وجسماً، فأخذوا به، بينما أهملوا الزواج الداخلي لاعتقادهم أن الزواج من القرابة يولد الفقر في العقول، والضعف في الأجسام فنأوا عنه؛ وهذه النظرية التي أخذوا بها تطابق - ولو إلى حد ما - النظريات الوراثية الحديثة
إلا أن هذا الاعتقاد يخالف ظاهراً ما أشتهر به العرب قديماً من أنهم كانوا يفضلون نكاح بنات العم على غيرهن، لكن في الواقع، لا نجد أي تناقض في هذه المسالة. ذلك لأن كل عربي يلقب محبوبته وخطيبته ببنت عمه، وحماه بعمه، وإن لم يكن بين الطرفين وشيجة رحم أو صلة قرابة، وليس بوسع الباحث أن يرد سبب إطلاق كلمة العم على الحم، وبنت العم على محبوبته، إلا لتمسك العرب، منذ القدم، بالأمومة والزواج الخارجي الذي نتج عنهما الزواج بين أولاد الأعمام، أي أنهم كانوا يسمحون لأولاد الاخوة الذين أمهاتهم من قبائل مختلفة أن يتزوج بعضهم من بعض، لفقدان صلة القرابة بينهم باعتبار أن الأمومة تتطلب من الولد أن ينتسب إلى أمه، وأن يتبع خاله بعدها دون أبيه
فالزوج لم يكن إذاً في ذلك العهد بين أولاد الأعمام وبنات العم زواجاً فيه قرابة، بل فيه