ظهور فرق دينية باستمرار. وفي هذا العصر زلزل العالم الإسلامي بحركة ثورية سياسية اقتصادية ثقافية في نفس الوقت أنتجت الخلافة الفاطمية في القاهرة. فالحركة الإسماعيلية (أو القرمطية) - ما تسمى هذه الحركة تبعاً لأسم أهم شعبها وأكثرها أهمية - تميزت بآراء حرة عجيبة. إذ وجهت دعوتها إلى مختلف الفرق الإسلامية - من سنة وشيعة - ومختلف الأديان من يهود ونصارى،، وزرادشتية على السواء باسم الحركة الثقافية والعدالة الاجتماعية، ويصعب البت في فلسفتها الحقيقة لأن مصادرنا إما سنية فتكون شديدة العداء متحيزة، أو إسماعيلية تنتمي إلى عصر متأخر عند ما طرأ على المبادئ الأولى تعديل واسع. فمثلاً نرى أن فخر الدين الرازي وصم الغزالي والشهرستاني والبغدادي بالتعصب وقلة فهمهم لأراء خصومهم. إذ روى عن حديث له عن المسعودي عن الكتب قال:(فقد ذكر المسعودي كثيراً منها إلى أن ذكر كتاب الملل والنحل للشهرستاني. فقلت: نعم، إنه كتاب حكى فيه مذاهب أهل العلم بزعمه إلا أنه غير معتمد عليه، لأنه نقل المذاهب الإسلامية من الكتاب المسمى بالفرق بين الفرق، من تصانيف الأستاذ أبي منصور البغدادي، وهذا الأستاذ كان شديد التعصب على المخالفين، فلا يكاد ينقل مذهبهم على وجه الصحيح، وقد أدرك الغزالي الخاصة الاجتماعية للمذاهب المنشقة، وقال في الكلام عن الباطنية: (فاستبان أن ما ذكروه تلبيس بعيد عن التحقيق وأن العامي المنخدع به في غاية العمى، لأنهم يلبسون على العوام) ثم قال أيضاً عنهم: (فما هولوا من خطر الخطأ مستحقر في نفسه عند المحصلين من أهل الدين، وإنما يعظم به الأمر على العوام الغافلين عن أسرار الشرع). وعند الكلام على الدعاة الباطنيين قال:(وهؤلاء الدعاة تواطئوا على هذا الاختراع ليتوصلوا به إلى استتباع العوام واستباحة أموالهم فيتوصلون به إلى آمالهم)
ومن الواضح على كل حال أن الحركة الإسماعيلية كانت مبنية على نوع من التفكير الحر تعترف بقرابة الأديان جميعاً وتنبذ الشريعة الإسلامية، وتستند إلى مبدأ من العدل والتسامح والمساواة التامة؛ وبطريقة حاذقة من التفسير تعرف بالتأويل أسندت هذه المبادئ بنصوص من القرآن والكتب الدينية الإسلامية وكذا عوملت كتب اليهود والنصارى المقدسة بنفس الطريقة. . .
وقد ذكر عبد الله الإسماعيلي في عرضه للأسس الاجتماعية للإسلام أنه (ما وجه ذلك إلا