بدأ المستشرقون في السنوات الأخيرة يتأكدون أكثر فأكثر أن المذهب السني في العصر الأول للخلافة لم يكن أبداً مذهب الطبقات العامة، وكلما ازدادت دراسة الباحث في الأدب الإسلامي في القرون الوسطى ازداد الاتضاح من المذهب السني كان ينظر إليه في كل محل كدين طبقة مسيطرة، دين الدولة وميزة الأرستقراطية العربية الحاكمة وقد كانت هذه نظرية الفاتحين أنفسهم في الأدوار الإسلامية الأولى، ولقد كانت الأكثرية الساحقة بين رعايا الخليفة - لقرون عديدة بعد الفتح الإسلامي - غير سنية تكره المذهب السني كرمز لسطوة طبقة أجنبية حاكمة تتمتع بامتيازات خاصة
ومع ذلك كان الشعور الديني قوياً بين الطبقات العامة، وقد تجلى هذا الشعور بظهور سلسلة فرق متزندقة منشقة منذ القرن الثامن الميلادي حتى الفتح المغولي، وتتصف جميع هذه الفرق تقريباً بفلسفة خاصة تحتوي عناصر مقتبسة من فرق سبقت العصر الإسلامي كالأفلاطونية الحديثة والمانوية والمزدكية وبفلسفة اجتماعية ثورية فيها عامل المساواة بين الأفراد وبتنظيم سري يشبه النظام الماسوني، وهي عادة من أفراد من مختلف الطوائف مع درجات من التنشيئ والتهذيب، ونجد مثلاً عصرياً لنجاح هذه الفرق وفشل المذهب السني في حالة الهولنديين في الهند الصينية (إندونيسيا) والفرنسيين في أفريقيا الغربية، حيث على الرغم من قواها المتفوقة نجد البعثات المسيحية تتقدم بين السكان الوطنيين بنجاح اقل من نجاح الدعوة الإسلامية. فهنا أيضاً يرى الزنجي أو الإندنوسي أن المسيحية متصلة بحكم أجنبي، فيفضل أن يكون مسلماً من الدرجة الأولى على أن يكون مسيحياً من الدرجة الثانية
بلغت هذه الحركات الدينية أوجهها في القرنين العاشر والحادي عشر. فقد كانا مرحلتي تطور صناعي وتكتل حضري. فظهور نظام راق للبنوك مركزها بغداد، تغطي فروعها الإمبراطورية، ساعد على تجهيز الدولة بالنقود وعلى حفظ النقود بصورة عامة أساساً للاقتصاد. وقد أثر هذا على النمو الصناعي، فأنتج تمركزاً في رأس المال والعمل كما ولد النمو السريع في رأس المال حسب المنتظر مشاكل اجتماعية خطيرة. إذ نقرأ عن سلسلة اضطرابات خطيرة في بغداد، وعن ثورة الزنج في أسفل العراق في القرن التاسع، ثم عن