فأعياد الأجانب الأوربيين مثلاً تكتشف عن قوتهم واعتدادهم بأنفسهم، وتعشقهم لجمال الحياة الدنيا إدماناً وإغراقاً، وعن جعلهم المجاملة أصلاً أخلاقياً في أنفسهم وأهليهم، وعن غرورهم واستهتارهم واستهانتهم بأكثر الفضائل الإنسانية حين تجري في دمائهم عربدة الطغيان الإنساني المتوحش الذي يرتد إلى الغرائز الحيوانية المستأثرة باللذة، المجردة من الورع والتقوى
وأعيادنا نحن تهتك الحجاب عن ضعفنا وذلتنا، واستكانتنا لما نشعر به من الضعف والذلة، وتبين عن ذهول الشعب عن نفسه وعن تاريخه، وعن مجده، وتعلقه بترهات الحياة، وقلة مبالاته بجمالها، وانصرافه عن معرفة الأحزان الخالدة في طبقاته بخلود الفقر والجهل والبلادة
فهل يزدلف إلينا ذلك اليوم الذي تتمثل فيه أعياد الشعب الإسلامي صورة السيطرة والسيادة والقوة، وتتبدى عليه أفراح الحياة الراضية المؤمنة المطمئنة، وتعود إليه الأخوة الإسلامية التي ساوت بين الناس غنيهم وفقيرهم وعالمهم وجاهلهم، وجعلتهم سواء لا فضل لأحد على أحد إلا بالخلق والتقوى؟ هل يأتي ذلك اليوم السعيد الذي يجعل أعيادنا صورة من مدنية دين الله التي تبدأ بالرحمة والحنان والتعاطف، وتنتهي بالعمل والجد والصبر والتعاون؟ يومئذ تكون السيادة العليا للمدنية المستقبلة، مدنية الحرية التي لا تشتهي أن تفجر، والعلم الذي لا ينبغي ن يكفر
التعليم
فاز الأسبوع الماضي في مجلس النواب بإثارة انتباه الناس إلى شأن التعليم وسياسته التي درجت عليها وزارة المعارف من سنين تطاولت، وقد قدمت اللجنة المالية تقريرها عن ميزانية المعارف، وتناولت في هذا التقرير سياسة التعليم وأغراضه، وعيوبه وما ترجو به له الإصلاح، وناقش المجلس بعض هذه الآراء، وعرض حضرات النواب بعض آرائهم وملاحظاتهم. ونحن - على أننا لم نحضر هذه الجلسة بل قرأنا ما اختصر مما جرى فيها - نظن أن حديث النواب كان يدل دلالة قاطعة على أن وزارة المعارف التي انقضى على قيامها بهذه المهمة ما يربو على قرن من الدهر لم تقرر فيها أصولٌ صحيحةٌ للتعليم، ولم تجر سياستها على منهج يستمر بها إلى غاية تريدها على تدبير وحياطة