أفلا ترى أن الوزارة لا تزال تسمع من الناس ومن النواب ومن أصحاب الرأي ما يجب عليها للتعليم الديني في مدارسها، وما ينبغي في مناهج تعليم البنات، وما تتطلَّبه أنظمة التعليم الإلزامي، وهل أدى الغرض منه إلى يوم أو لم يؤده؟ وما تفرضه الوطنية من النظر الصادق في ترقية التعليم الحر حتى يصل إلى الدرجة التي تليق به وبالأمة التي تتولى هو بعض الرعاية على بعض أبنائها، وغير ذلك من الشؤون الابتدائية في سياسة التعليم
فهذا عجيب أن تبقى وزارة المعارف إلى هذا اليوم، ولم تتقرر لها سياسة كاملة تتناول حياة الأمة العلمية والأدبية والخلقية والبدنية بأدق النظر وأحسن الرأي، فلا ينبغُ لها نابغ يسددها إلى هذه الآراء الأولية التي يفرض كل أحد أن الوزارة قد انتهت من إقرارها والسير عليها والتدبير لها بكل الوسائل التي تكفل للشعب تربية أبنائه تربية تامة كاملة مهيَّأة لتحمُّل الأعباء المثقلة التي سيحملها جيلهم من بعد هذا الجيل
وقد سارت وزارة المعارف في السنين الأخيرة على سنة لا يمكن إلا أن تفضي إلى توهين الروابط الثقافية التي تربط الشعب كله بعضه إلى بعض؛ وذلك كثرة تبديل المناهج وتغييرها عاماً بعد عام غير ضرورة ملجئة في أكثر هذا التبديل والتغيير. ولا بد أن تحزم وزارة المعارف أمرها على خطة واسعة متراحبة ترمي إلى أبعد مدى على أنم حذر، ليتسنى لها أن تمحو كل أخطاء الماضي التي لعبت فيها الأيدي الاستعمارية والسياسية بكل ما من شأنه أن يسلب الشعب قدرته على التحفز والتوثب والتجمع، وما ينشئه على الحرية العقلية والنفسية، التي ترفعه إلى درجات السامية التي يجب أن يرقى إليها كل شعب يريد أن يتحرر ويسود ويفرض مدنيته على الأرض التي يعيش عليها
وإذا أرادت وزارة المعارف ذلك الآن، فإن في همة وزيرها لذي لا يَمَلَ ولا يتأخر عن دواعي الوطن، إنفاذاً لهذه الإرادة. فوزير المعارف رجل معروف بالجد والإخلاص والمثابرة وقوة العزيمة، فلو اجتمع له كل أصحاب الرأي ممن يحب أن يساهم في شأن التعليم مساهمة الدرس والكفاح للمستقبل، لأمكنهم أن تنقذوا وزارة المعارف من البلبلة التي لا زالت تتساقط بها من ذلك العهد القديم المعروف بأغراضه في تحطيم قوى الشعب استعبادياًّ مستبداً. فنرجو أن يضمَّ وزير المعارف إلى رأيه جماعة من أصحاب التدبير السياسي للتعليم غير متقيِّد بشيء من الرسوم القديمة - وهو الرجل الحر - فإن القيود هي