التي جعلتنا إلى هذا اليوم نسري في ظلام دامس من الأهواء التي غلبت على شأن التعليم فيما مضى
تعليم العربية
وبهذه المناسبة أذكر أني قرأتُ في الأسبوع الماضي أيضاً كلمة عن أسباب ضعف الناشئة في اللغة العربية، وأن الكاتب ردَّ هذا إلى أسباب من المعلم والكتب وغير ذلك، وزعم أن أكثر كتُبنا لا يصلح لتعليم الناشئة لسان أمتهم. وإن يكن في هذا بعضُ الحقِّ فليس هو كلُّ الحقِّ، فان أسبابَ ضعفِ النشء في العربية ليس يُردُّ إلى المعلم والكتاب، بل مردُّه إلى المنهجِ الذي يُقيد المعلم بقيود كثيرة ترفع عنه التبعة في نتيجة التعليم، ويقيد الكتاب بمثلها، ويُعطى النشء ما لا يَصْلُح عليه لسانٌ ولا يستقيم به تعليم لغة
فلو أنت نظرت لما رأيت شعباً من شعوب الأرض المتعلمة، يفعَل بلغته ما نفعل نحنُ، من التجاهل للآثار الأدبيةِ وقلة الاحتفال بتزويد الناشئ بمادتها التي تحفظها لتكون أبداً على مدِّ الذاكرة وفي طلب اللسان. ولو أنت سألت أي مُتعلِّم من أهل الأمم الأخرى أن يُسمعك من روائع شعر أُمته ونثرها وحديث بلغائها لاحتفَلَ لك بالكثير الذي تظن مَعَه أنه إنما أعدَّ لك الجواب لعِلمه أنك قد أعددتَ له السؤال. فلو أنتَ جئت بعدَ ذلك إلى أحد المثَّقفين المكثرين المتنفخين من المتعلمين عندنا وسألته مثل ذلك لَنحا إليك بَصرَه فأتأرَ النَّظَر فابتسمَ فضَحك فستهزأ بك فولاّك ظهره فمضى يعجب من غفْلتك وحماقتك وقلّة عقلك
وإن بعضهم ليقول: ليس لنا ما لهم، أين للطالب المصري أو العربي ما يغريه بالقراءة كما يغري شكسبير وملتون وبيرون وشيللي وفلانٌ وفلانٌ من الشعراء والكتاب؟ بَلى أين؟ وإن يكن هذا كله حقاً فافترضناه كذلك، فليس يكون لنا مثل شكسبير وأصحابه إلا باستيعاب قديم كتابنا وشعرائنا، والحرص على آثار محدثيهم، فإذا كان ذلك أخرج الشّعْبُ يوماً أمثالَ هؤلاء لمن يلينا من أهل أمتنا. وإلا فإننا سائرون إلى ضعف أبداً ما دُمنا نرىَ الطالب لا يطيقُ أن يستوعبَ من شعر البحتري إلا قصيدة واحدة ومن المتنبي مثلها، ثم يكون ذلك آخر عهده وأوله بدراسة الآثار الأدبية العربية
إن الحفظ الأول للآثار الأدبية الرائعة قديمها وحديثها هو الذي يخرج الأديب والكاتب والشاعر. أنظر إلى المنفلوطي والرافعي وشوقي وحافظ والبارودي والزيات وطه حسين،