كل هؤلاء لم يكونوا كذلك إلاّ لأنهم نشأوا وقد حفظوا القرآن أطفالاً فحملهم ذلك على متابعة حفظ الآثار الأدبية الجليلة، ثم حفز هذا المحفوظ ما انطووا عليه من الطبيعة الأدبية التي استقرَّت في أنفسهم وأعصابهم، فلما استحكموا استحكمت لهم طريقتهم في الأدب والشعر والإنشاء، ولولا ذلك لما استطاعوا أن يكونوا اليوم إلا كما نرى من سائر من تخرجهم دور التعليم بالآلاف في كل عام ينقضي من أعوام الدراسة
مشروع
كتب الأستاذ (محمد خلف الله) كلمة جليلة الغرض تحت عنوان (مشروع) في المجلة الثقافة العد (٦٨) الماضي، وخلاصة هذا المشروع: أن تؤلف جماعة من الباحثين يمثلون اللغة والأدب وعلم النفس والاجتماع يكون من أغراضها أن تدرس النواحي المختلفة للاجتماع المصري الحاضر وما يكون فيه من الظواهر المختلفة التي يخشى أن تدرج وتبيد ولم نستفد من الحرص عليها إن كانت نافعة، أو الاستعانة بها في درء الأمراض الاجتماعية عن الشعب فيما يستقبل إن كانت من السوء بحيث تكون كذلك
وقد عَدّ الأستاذ خلف الله بعض الأمثلة فيما يجب أن تتوجه إلى دراسته هذه الجماعة كمخارج الحروف وأصواتها في كل الأقاليم المصرية، ورد ذلك إلى أصوله الأولى التي انحدر عنها من تاريخ القبائل، وكذلك اللهجات الكثيرة في الوجه البحري والقبلي مما هو - ولاشك - نتيجة لإقامة بعض العرب في هذه الجهات، ثم دراسة الأدب الشعبي من قصيد وموال ومثل وفكاهة وسمر، ودراسة الخلق المصري؛ وعيوبه وفضائله، وما يتعاوره من الغلو والضعف , ويكون ذلك كله إعداداً لمعرفة حقيقة هذا الشعب معرفة صحيحة، ثم نشر كل ذلك على التتابع في رسائل قد استوفت شروط المنهج العلمي للدراسة الاجتماعية واللسانية والفنية
وكلما يرحب بهذا المشروع الذي نستطيع معه أن نخدم الشعب خدمة عظيمة باستظهار ما يستسر من قوته، وما يستعلن من ضعفه، فيكون ذلك أحرى بأن يهدينا إلى إصابة الدواء الذي يحسم مادة الداء التي تلتهم أسباب رقيه سبباً بعد سبب. وهذه الدراسات المفصلة للشعوب على طبيعتها التي تتعامل بها في السوق والحقل والمصنع والمدرسة والبيت، وهي النجاة لنا من شر كبير قد أوقعنا فيه الاضطراب وقلة الخبرة. ولو علمت أن أكثر