ينفق على (بورفات) هذه الرواية الأشهر الطويلة حتى اكتمل ما أنفقه ألف جنيه، فضج وراح يزور هذه البروفات ليرى أي شئ فيها يستدعي هذا التريث كله، وهذه النفقات كلها. . . ولم تشعر به الفرقة وهو يتجسس عليها متسمعاً لأحد ألحانها، ولكنها شعرت به عندما فرغت من ذلك اللحن وهو يقول موجهاً الحديث إلى عزيز عيد:(لقد كان في عزمي أن أضع اليوم حداً لهذا الإسراف، ولكني بعد ما سمعت هذا اللحن أراني مضطراً إلى أن أترككم وشأنكم فليس هذا الذي تصنعونه بالشيء العادي)
وقد كان نجيب محقا، فالعشرة الطيبة من غير شك معجزة
وهنا قد يسألني سائل: لماذا كانت العشرة الطيبة (درويشية) أصفى من شهرزاد والمبروكة، مع أن هاتين الروايتين الأخيرتين قد وضعهما سيد درويش لنفسه ولفرقته لم يتقيد فيهما هما أيضاً بقيد، ولم يراع فيهما ذوق أحد غير ذوقه الخاص؟
وإجابة عن هذا السؤال نقول: إن سيد درويش لحن العشرة الطيبة أوائل حياته الفنية أو في أواسطها، بينما لم يلحن شهرزاد والبروكة إلا قبيل وفاته. وقد حدث أن تأثر سيد درويش بعد العشرة الطيبة بالأساليب الغربية في الإلقاء المسرحي، وقد ظهر هذا التأثر واضحاً جلياً في ألحان رواية البروكة الغربية الحوادث والأبطال، كما ظهر هذا التأثر باهتاً غير جلي في ألحان شهرزاد. وليس هذا التأثر بالروح الغربية مما يعيب هاتين الروايتين فلا يزال تقليد الغربيين في الفن الشرقي هو مقياس الفلاح، ولكنني أنا الذي أكره هذا التأثر، كما أحب أن أجد عند كل فنان مصري روحاً مصرية خالصة، هي من غير شك مهما هانت وتواضعت، لن تكون إلا أصدق من روحه إذا قلد بها الغربيين وأساليبهم.
ولكن سيد درويش كان معذوراً في التفاتاته للموسيقى الغربية وآلاتها وأدواتها وطرائقها وأساليبها، وتوزيع الأصوات فيها، فقد شاءت الظروف أن يكون هو الموسيقى المصري الذي ألقت عليه النهضة المصرية أعباء الفن ليثب به من حالة الركود والإنشاد التي سبقته إلى حالة الحياة والصخب والتدفق والتفرع والشمول التي كانت على أيام سيد، والتي يريد من جاءوا بعد سيد أن تكون على أيامهم.
فلو أن سيد درويش عاش أكثر مما عاش لكان قد استتب له تقرير ما يصلح أخذه من الأساليب الغربية في الموسيقى واصطناعه في موسيقانا، ولكان قد أدرك أنه لا يقل شيئاً