الآفات، لأن احترافه التلحين للفرق المختلفة هو الذي كان يجبره عليه. هذه الآفات تظهر بموازنة ألحان سيد درويش للفرق المختلفة بعضها ببعض. فألحان سيد درويش لمنيرة المهدية، غير ألحانه للريحاني، غير ألحانه (للعكاكشة. . .) وذلك يرجع إلى أن سيد دروش كان يتقمص أبطال الغناء والتمثيل حين يلحن لهم، وكان يتدفق في تلحينه لهم بروح هي أقرب إلى أرواحهم منها إلى روحه هو، وبأسلوب هو أقرب إلى أساليبهم منه إلى أسلوبه هو، وليس معنى هذا أن سيد درويش كان يفقد نفسه في هذه الألحان التي كان يعطيها غيره، وإنما معناه أنه كان يتنكر بصور مختلفة في أثناء تلحينه. . . ومن هذه الصور - صور المغنين والممثلين - ما هو خفيف جميل رائع، ومنها ما هو ثقيل سمج أقتم الظل. . . ومع الثقيل السمج الأقتم الظل لم يكن سيد درويش يستطيع أن يسبل عليه من الحسن إلا بمقدار ما تستطيع شركة السكر أن تبعث الحلاوة في ملاحة رشيد. . .
وكان سيد درويش رحمه الله يعارك الثقلاء من أبطاله، ويسبهم ويلعنهم، وكان يثور على بعضهم ويضربهم لكي يطاوعوه ويسايروه، ويحملوا أرواحهم على التأثر بروحه، وأذواقهم على التبسط في الغناء والتمثيل، وترك الشعوذة والتطريب، ولكنه لم يكن يجني من هذا كله إلا أن يحترق دمه وأن تتهدم أعصابه، ويظل الثقلاء من أصحاب الفرق وكبار المغنين. . . على ما هم عليه من فساد الذوق و (العصلجة)، فكان المسكين لا يرى بداً في بعض الأحيان من أن يعطيهم موسيقى لهم هم، وتروق الناس أيضاً، ولكنه هو كان أول من يعرف أن عنده خير منها وأروع. . .
أما حين وضع سيد درويش ألحان (العشرة الطيبة) فقد كان حراً متحرراً من كل قيد، ومن كل اعتبار خارج على إرادته
ذلك أن نجيب الريحاني كان له في ذلك الوقت فرقتان، فرقة كان يلعب بها (كشكشياته) الرشيقة وفرقة أخرى أسلمها العزيز عيد يخرج بها فناً دسماً. وكانت رواية تيمور هذه أول ما وقع عليه اختيار هذه الفرقة، وكان بديع خيري إذ ذاك لا يزال يشق طريقه إلى مجده الغني الزاهر فلما عهد إليه بوضع أزجال هذه الرواية بثها روحه كلها لم يقتصد ولم يدخر وسعاً في إجادتها والتأنق فيها، فلما تسلم سيد درويش هذه الأزجال ليلحنها حراً أعطاها هو أيضاً كل نفسه، لم يقتصد كذلك ولم يدخر وسعاً في إجادتها والتأنق فيها. ولم يزل الريحاني