ووضع المغول السيف في أهل بغداد يوم الاثنين خامس صفر سنة ٦٥٦، وما زالوا في قتل ونهب وأسر وتعذيب الناس بأنواع العذاب، واستخراج الأموال منهم بأليم العقاب مدة أربعين يوماً، فقتلوا الرجال والنساء والصبيان والأطفال، فلم يبق من أهل بغداد ومن التجأ إليهم من أهل السواد إلا القليل، ماعدا النصارى فانهم عين لهم شحان حرسوا بيوتهم والتجأ إليهم خلق كثير من المسلمين فسلموا عندم، وكذلك دار الوزير مؤيد الدين بن العلقمي فانه سلم بها خلق كثير، ودار صاحب الديوان (ابن الدامغاني) ودار حاجب باب النوبى (ابن الدوامى) وما عدا هذه الأماكن فانه لم يسلم فيه أحد إلا من كان في القنى والآبار، وأحرق معظم بغداد وجامع الخليفة المعروف اليوم بجامع سوق الغزل وما يجاوره، واستولى الخراب على بغداد، وكانت القتلى في االدروب والأسواق كالتلول، ووقعت الأمطار عليهم ووطئتهم الخيول، فاستحالت صورهم وصاروا عبرة لمن يرى، ثم نودي بالأمان فخرج من تخلف وقد تغيرت ألوانهموذهلت عقولهم لما شاهدوا من الأهوال التي لا يعبر عنها بلسان وهم كالموتى إذا خرجوا من القبور يوم النشور، من الجوع والخوف والبرد، وضرورة الاستنباط توجب الرجوع فنقول: قال عبد الرزاق بن الفوطى (فلما كان اليوم الرابع عشر من المحرم خرج الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي إلى خدمة السلطان هولاكو في جماعة من مماليكه وأتباعه وكانوا ينهون الناس عن الرمي بالنشاب ويقولون: (سوف يقع الصلح إن شاء الله فلا تحاربوا) هذا وعساكر المغول يبالغون في الرمي. وعاد الوزير إلى بغداد يوم الأحد سابع عشر المحرم وقال للخليفة:(وقد تقدم السلطان هولاكو أن تخرج إليه، فأخرج ولده الأوسط أبا الفضل عبد الرحمن في الحال فلم يقتنع به، فخرج هو والوزير ثامن عشر المحرم ومعه جمع كثير فلما صاروا ظاهر السور منعوا أصحابه من الوصول معه وأفردوا له خيمة وأسكن بها)
وأمر هولاكو بإجاعة المستعصم، فلما اشتد عليه الجوع أمر أن يقدموا له جملة من الجواهر والحلي والأعلاق النفيسة في أواني الذهب والفضة التي أخذها من دار خلافته) فاستغرب الأمر وقال: قد علمتم أن هذا ليس مما يؤكل ولا يغني من جوع) فأرسل إليه هولاكو (لم لم تجند به الجنود ولم تدفع به عن نفسك فلات ساعة مندم) ولسرد أخبار الجنود نقول: قال