للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قائلاً، وهو جالس بين كؤوسه وغادته، غارق في نعيمه وحظه وصفائه:

أين وادي النخيل أم ... قاهرياته الغرر؟

إن مما يزيدني إعجاباً بهذا الشاعر أنه صاد في شعره. وفيّ لفنه، وأنه ذو شخصية مستقلة لا تندغم في شخصية أخرى، وأن لشاعريته وجهاً يميزها عن كل شاعرية، ولألحانه رنة تعرف بها من بين سائر الألحان، وفي كل ما ينظمه نكهة تختلف عن كل نكهة. . .

لكم وددت لو كان بإمكاني أن أتخطى بالقارئ خطوة خطوة مع شاعرية صاحب (ليالي الملاح التائه) فهي في تجوالها قد سلكت شعباً كثيرة، وطرقت أبواباً عديدة، ومن كل سياحة ساحتها قد عادت بآثار طريفة وتذكارات ثمينة. والديوان حافل بمثل هذه الآثار والتذكارات التي تفسح مداه وتفرج صدر قارئه. . .

وأخيراً. . . لقد انتهيت بدون أن أنقد شاعرنا الملهم، ويعلم الله أنني كنت أود أن عثر على أغلوطة أو سقطة؛ ولكني عبثاً حاولت. غير أنه يسرني أن أطلع شاعرنا على هنات طفيفة ما أخالها شيئاً، فمثلاً قول الشاعر في أغنية الجندول):

قلت والنشوة تسري في لساني ... هاجت الذكرى فأين الهرمان

كان الأحسن من ذلك أن قول (في كياني) لأني لا أتصور ولا يتصور أحد معي تلك النشوة التي تسري في اللسان. وفي الأغنية نفسها اضطراب في صورها، فليس فيها وحدة ولا اتساق. ولقد رزقني الله حلاوة الصوت. فكنت إذا غنيتها على عودي وأنا منتقل على خيالي في الجو الذي نظمت فيه شعرت باصطدام وحواجز تقفني عن متابعة طربي خصوصاً في مقطعها الأول. وفي الأغنية مقطع رائع وهو:

آه لو كنت معي نختال عبره ... بشراع تسبح الأنجم إثره

حيث يروي الموج في أرخم نبره ... حلم ليل من ليالي كيلوبتره

وأنا أذكر أني قرأت هذا المعنى الجميل البارع الذي يعد أحسن ما في الأغنية مترجماً عن الإنجليزية. فهم يذكرون أن الشعراء الثلاثة كيتس وشلي وليهند اتفقوا على أن ينظم كل واحد منهم قصيدة في النيل فكان مما قاله ليهند هذا المعنى الجميل. وما كنت لأشير إلى هذا لولا أن الأدباء يرفعون هذا المعنى إلى السماء. فأردت أن أبين أصله. . . ويقول الشاعر (في بحيرة كومو):

<<  <  ج:
ص:  >  >>