ولكن ما الموجب للثورة وأنا أعرف مقاتل هؤلاء الرجال؟ فالنقراشي العنيد اسكندراني تأسره قوة المنطق، والسنهوري أضعف الضعفاء أمام القانون، وشفيق غربال يعجز كل العجز عن مقاومة الحق
وأرجوكم باسم الذوق ألا تظنوا أنني أجامل رؤسائي، فما خُلقت للمجاملات، وإنما أدلكم على مقاتل هؤلاء الرجال، وهذا ينفعكم أجزل النفع، يوم يبدو لأحدكم أن يستفيد من قوة الحق والمنطق والقانون
ومدينتنا هذه التي وضعت قواعد النظام للتعليم الديني هي أول مدينة بعد القاهرة تقوم فيها جامعةٌ مَدَنيّة في العصر الحديث فكان لها فضل السبق على المنصورة وأسيوط، مع الاعتراف برشاقة المنصورة ورزانة أسيوط
ولأول مرة في تاريخ مصر يُحرَم الوزراء بَدَلَ السفر حين ينتقلون لشأن من الشؤون، وما حُرَّم ذلك إلا بالنسبة إلى الإسكندرية، فهل كان ذلك لأن الإسكندرية تستهوي الوزراء فتحملهم على تكلف أسباب الانتقال؟ لا، إنما كان ذلك التحريم لأن الإقامة في الإسكندرية غنيمة من الغنائم، ومن واجب الدولة أن تمنّ على الوزير بأن مصالحها هيأت له الفرصة للإقامة يوماً أو يومين بالبلد الذي يَفتن في الصيف وَيشُوق في الشتاء
ومع أن الإسكندرية سبقت القاهرة إلى البلاء بقسوة اشتباك المنافع مع الأجانب فقد صحّ للإسكندرية أن تسبق القاهرة إلى استخلاص بعض المنافع من الأجانب، فأول (تِرام) سيطرت عليه الحكومة هو ترام الإسكندرية، وفي ذلك ما فيه من قوة الشخصية
والإسكندرية تفوق القاهرة في أشياء
فالوافد على الإسكندرية من الجنوب تَلقاه المنازل البيض الخفيفة الروح، وتَلقاه نخلاتٌ بواسق تأنس برؤيتها العيون، أما الوافد على القاهرة من الشمال فتلقاه منازل مهدَّمة تقبض النفس، فمتى تفطن حكومتنا إلى هذه الظاهرة؟ ومتى تمدَّ يدها لرفع تلك الخرائب وتحويلها إلى حدائق ورياض ليشعر الوافد على القاهرة بأنهُ مقبلٌ على مدينة تفهم قيمة الجمال؟
آن للقاهرة أن تعرف أنها تسئ إلى سمعة مصر بالعفو عن تلك الخرائب التي تواجه من يَقْدَم عليها من الشمال. آن للقاهرة أن تعرف أنه لا يجوز أن تلقى القادمين بغير الابتسام، وتلك الخرائب الشبراوية تُدخل على أرواح القادمين أثقالاً من الانقباض البغيض