العلم:(وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم). . .
ولكني أنكرت أن يسوي بين حياتها وحياة الإنسان أبي العجائب. . . الإنسان الذي يفكر فيها ويدرسها ويصورها ويكتب عنها ويتصرف فيها ويتغلب عليها، وهي لا تفعل شيئاً من ذلك! الإنسان الذي يولد وهو أقل منها قدرة على التغذي والدفاع عن نفسه، ثم ينمو ويترقى إلى ما لانهاية له في الفكر والعلم بما يزيد عن ضرورات حياته، بينما هي تقف في نموها وإدراكها عند حدود حفظ حياتها. . . الإنسان الذي خلقت هي له بدليل تسخيره لها في خدمته، ولم يخلق هو لها بدليل أنها لم تتغلب عليه وتسخره وتتصرف فيه. . . الإنسان الذي خطأ في خمسة آلاف سنة - هي عمر التاريخ الذي نعرفه - خطوات واسعة ثابتة متلاحقة، فتغيرت حياته من العرى والبساطة في المسكن والملبس والمدرسة والحرفة والعبادة، تغيراً عجيباً يكاد يجن منه آباؤنا الأولون، لو بعثوا ورأوا ما وصلنا إليه. . . بينما الحيوانات والحشرات واقفة كما هي منذ عهد أجدادنا الأولين بها.
وهنا الدليل القاطع على وجود روح سام من الله في الإنسان يدفعه إلى الأمام دائماً في هذا العالم، حتى يكشف عن كل سر في الطبيعة ويتصرف فيه، يدفعه إلى إدراك الكمال التام الذي ينتظره في عالم آخر.
فإن لم نعترف بقيمة سامية الإنسان خارجة عن نطاق حياته الحيوانية، فسوف تختلط أمام الفكر المثل، وتلتوي السبل، ونضل ضلالاً بعيداً يؤثر في خدمتنا للعلوم والآداب الرفيعة والعمران تأثيراً رديئاً.
وإن سوء الفهم لنظرية النشوء والترقي من أكثر الذين درسوها دراسة سطحية هي التي لونت نظرة الكثيرين إلى قيمة الإنسان بهذه الألوان المزرية التي تبعث على تحقيره وإسقاطه عن العرش الذي أجلسه عليه الدين منذ أقدم العصور. فبناء على تلك النظرة المبنية على سوء فهم للنظرية ذهبت عن الإنسان قداسته، واختلت مقاييس الأخلاق وموازينها، وكان في هذا أكبر دافع إلى التحاكم إلى قوانين الأدغال التي لا مجد فيها إلا للقوة العمياء والشهوات، والسيطرة الوحشية التي لا تعترف بخدمة الفكر، والعلم، ولذة الحياة في مثل أعلى.
وعلى فرض ثبوت نظرية النشوء - وهي للآن لا تزال فرضاً نظرياً يحتاج إلى حلقات