مفقودة ليصير حقيقة علمية - لا يجوز لنا أن نخلط بين الحياة الآلية التي هي (مضروب مشترك) في أجسام جميع الأنواع، وبين الروح الإنساني الملموح في رقي الإنسان الدائم السريع، ونزوعه المستمر إلى العالم الأكمل، ونفاذ فكرة في عالم المعاني المجردة، التي تبدو عجيبة رائعة في الرياضيات العليا والخفقات الروحية العليا، والمثاليات العليا التي لا يمكن تفسيرها تفسيراً (بيولوجياً) أو (فسيولوجياً)
ولقد أحس الإنسان حتى في عصوره جهالته بتفرده وامتيازه على سائر ما يحيط به في الطبيعية إذ وجد نفسه أقوى قدرة، وأوسع حيلة في التغلب على المشقات، وفي الرقي بالحياة رقياً مطرداً، ولذلك لم يستطع أن ينظر إلى القبر كأنه نهاية أبدية لتلك الحياة؛ بل وجد في إلهامه أن لابد وراء موته من امتداد لحياته على أسلوب آخر أو على أسلوب الدنيا. . .
فما بال الإنسان يشك الآن في قيمته السامية بعد أن تضخم أمامه ميراث علومه وآدابه، وعمر الأرض عمراناً، وافتن فيها افتناناً وصار فطناً لما فيها من جمال وأسرار؟!
إنه ما فتى منذ وجوده وهو يسعى لخلوده ليظل مغموراً بهذا الإحساس العجيب بالحياة، ولم يكن يستطيع أن يتصور الخلود في أول الأمر بأكثر من أن يعطي شعلة حياته إلى ولده. وقد وجد في ولده أكبر عزاء له عن موته وفنائه؛ ولكنه لم يقنع بهذا بل ظل يبحث جاهداً عن وسائل خلود جسده هو بذاته، فحنطه ونقش صورته على الألواح والتماثيل، ثم خطأ خطوة أخرى فخلد فكره بالكتابة، ثم خطا خطوات متلاحقة في العصر الحديث نحو هذه الغاية فخلد صورته الحقيقية (بالفوتوغراف) وصوته (بالفوتوغراف) وأنغام نفسه (بنوتة) الموسيقى وحركات جسمه بالسينما، ثم تصرف في الصوت والصورة والحركة ونقلها على أمواج الأثير فاخترق الحدود والكثافات بالراديو والتلفزيون في أقل من لمحة، ثم هو الآن يتجه ببحوثه إلى عالم الروح لعله يستطيع أن يتصرف فيها. . . والله أعلم بمستقبل هذا النوع العجيب الذي ارتضاء خليفة له في أرضه. . .!
فأنت ترى أنه مشغول دائماً بخلود حياته إذ يحس إحساساً فطرياً وعقلياً أنها لا يليق بها الفناء الأبدي الذي يرجعها إلى العدم المطلق. . .
وأحب أن ألفت الفكر إلى أمر هام جداً وذي قيمة كبرى في النظر إلى قيمة الإنسان: وهو