أن الحياة هذا النوع منذ ابتداء تيقظه لها في العصر التاريخي، وتقييد خطواته فيها حياة مطردة الرقي سائرة بسرعة إلى الوضوح والانكشاف وتحقيق الغاية من خلق النوع
ولقد عاش أدهاراً طويلة وهو يجهل أجناسه وأنواعه، غائباً في أوطانه الضيقة يحسبها هي وحدها كل الدنيا، لا يعلم حدود اليابس والماء، منثوراً لا رابطة تجمعه، جاهلاً بما في الكون من عوالم وأسرار، وقد كانت أديانه أدياناً خاصة. كل قرية فيها نذير يسدد حياتها بحسب ظروفها هي وحدها
ولقد كان الانقلاب الإسلامي قمة النضوج في العقيدة الدينية إذ جعلها عقيدة دولية وضع فيها الأسس لوحدة البشر، وتلاقيهم على معان مشتركة حتى يتأتى من وراء ذلك السعي إلى وحدة العمل والخدمة المشتركة، ولذلك لم تقبل الأرض أن يأتيها هدى من السماء على يد رسول بعد رسول الإسلام، وقد علم الله ذلك فأغلق باب الوحي وجعل محمداً (خاتم النبيين)، وقد صدق الزمان ذلك فلا مجال للجدال. ولم تعد الإنسانية تقبل ظهور البطل في صورة نبي، وقد فطن إلى ذلك (كارليل) في كتاب الأبطال، وهذا هو معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع:(إن الزمن قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض) أي أن الإنسانية قد بدأت بعد الانقلاب الإسلامي دورة زمنية جديدة، وحقاً يجد كل من يتفرس ويستقرئ التاريخ أن عصراً عقلياً جديداً قد ابتدأ بظهور الإسلام وانفساح الإمبراطورية العربية التي احتضنت جميع علوم العالم القديم ومعارفه وأنمتها وحملتها إلى العالم الحديث. فالانقلاب الإسلامي ينبغي أن تجعله الإنسانية بدء تاريخ رشد للعقل ووحدة للدين، وستفعل ذلك في يوم لا ريب فيه
والآن صارت الأرض كقطر واحد بأدوات الاتصال السريع وكل أمة تعلمت لغات غيرها، وارتبطت مجموعات كبيرة من الأمم برباط واحد. واختلط الأبيض بالزنجي والشرقي بالغربي وسكان الجزر النائية الغائبة في المحيطات بسكان للقارات، وصار الإنسان العادي يطلع في كل صباح ومساء على أخبار العالم الأرضي كله، ويرى حياة جميع الأمم في السينما. . . وهذه كلها مقدمات لنتائج لا شك فيها عند من يقيس ويعتبر بالماضي
وإذا ثبت أن الانقلاب الإسلامي كان بدء عهد عقلي وقلبي للإنسان، فقد ثبت أن القرن السابع عشر الميلادي كان بدء عهد عملي وعلمي له. وبذلك طار الإنسان بجناحين قويين