للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من الحياة الفكرية والحياة العملية إلى الغاية من خلقه

فليس من الصواب ولا من الإنصاف أن ننظر نظرة تشاؤم إلى حاضره ومستقبله بعد أن رأيناه يبني حياته على العلم والفكر والنظام بناءً كان يعد في الماضي من أعمال السحر والإعجاز وخوارق العادات. . .

ومن النظر العامي أن نزعم أن الإنسانية الآن أحط منها في الماضي. . . ولست أدري ما مبعث هذا الزعم؟ أهو ملاحظة فساد في العقيدة الدينية؟ إن العقيدة الدينية الآن أصح منها في الماضي؛ فهي في أكثر الأمم المتعلمة بعيدة عن الشرك والوثنيات والخضوع الأعمى للكهنة. . . وما أصدق أن عاقلاً يخلي الطبيعة من عقل يدبرها ولكنه ليس إله الكهنة؛ وعما قريب يذهب ما في بعض الأديان من بقايا الوثنية والإشراك ولن يبقى للإنسانية إلا دين الفطرة والعقل بغير عنوان من يهودية أو مسيحية أو بوذية أو غيرها. وهذا هو المعنى الحرفي اللغوي لكلمة (الإسلام) (فالإسلام) ترجمة ل - (دين بغير عنوان). فأي أمري، يؤمن بخالق واحد للطبيعة ويحسن العمل في الدنيا فهو (مسلم) والمعنى الحرفي لكلمة (إسلام) هو الانقياد لحكم الله في الطبيعة

وأقرأ إن شئت: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم. . . قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. بلى من أسلم وجهة لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). . . والآيات كثيرة في هذا، ولا محل الآن للخوض في هذا الموضوع. . .

وقد صارت الأديان التي تحتضن بقايا الوثنيات تختفي وتفر من نور العلم والفكر الحر ويزعم سدنتها أن الدين لا مناقشة، ولا تحاكم للعقل فيه. . . وهذا أول الاعتراف منهم بأنهم على باطل عما قليل يذهب مذموماً مدحوراً إلى قبور الخرافات والأباطيل

وأؤكد أن كثرة حوادث انفلات المتعلمين من العقيدة الدينية ليست ناشئة من أن عقولهم لم تقتنع بالأفكار الأولية الرئيسية فيه. . . وإنما منشؤها أن هذه الأفكار الرئيسية قدمت لهم في هلاهل من الخرافات والمتناقضات والألغاز، ولأنهم وجدوا أن تاريخ رجال الدين مع الأسف الشديد تاريخ مملوء بالجمود ومواقف العداوة للعلماء الطبيعيين الأولين الذين كان لهم فضل الاهتداء إلى مفاتيح العلوم التي نالت الإنسانية منها كثيراً من الخير والبركات

<<  <  ج:
ص:  >  >>