- وأنت يا هنيئاً لك أخذت عنه هذا العلم. . . انهق لي به انهق. . .
- لا بأس. ولكن ألا ترينه واجباً أن نرى الغجري قبل أن نرى القرد والحمار؟
- وهل في الغجري شئ يرى وهو ليس في غيره من الناس؟ رجل مسكين يحتال على الرزق بتلعيب الحيوان
- وكم في الناس القادر على تلعيب الحيوان؟ إن الإنسان ليستعصي عليه أن يلقب نفسه. ومن استطاع ذلك فهو الفنان
- فكل حيوان من هؤلاء فنان، وهذا الغجري بينهم مثل سيسيل دي ميل أستاذ على الممثلين والممثلات. . .
- هذا التشبيه صحيح لولا أنه معكوس. فسيسيل دي ميل هو الذي يحاول أن يكون في عمله كهذا الغجري ولكن أنى له ذلك إلا إذا عاش عيشة الغجري، وكم قلد الغجرَ أفراد من أهل الفن فكان كل منهم كالمسخ ما لم تكن فيه طبيعة الغجر يسترسل بها في الحياة استرسالهم. ولا بد أن تكون قد رأيت واحداً من هؤلاء الذين ينفشون شعرهم ويطلقون لحاهم، ويهدّلون ثيابهم ويعربدون في الأرض سكارى مستذئبين على أنفسهم وعلى الناس قائلين إنَا نحن بوهيميون. هؤلاء هم الذين يقلدون الغجر كما أن من أهل الفن من تضطره الحياة إلى أن (يغجر) نفسه فإما أن يكون غجرياً في فنه وإما أن ينزلق فيكون غجرياً في سلوكه مع الناس فيحتال على رزقه كما يحتال هذا الغجري بتلعيب نفسه، وتلعيب عشرائه، فهو محتال بارع ممن يعرفون كيف ينطبقون على الفريسة ومن أي مدخل سهل ضعيف يتسللون إلى نفسها، وأي لسان من الألسنة المعسولة يعجبها، وأي شكل من الأشكال المنمقة المزوقة يرضيها، وأي مطلب من المطالب تنزع إليه وأي شئ يسرها وأي شيء يغضبها، وأي كلمة تثيرها وأي كلمة تردها إلى هدوئها، وأي إشارة تحفزها، وأي إيماءة تثبط همتها إلى غير ذلك مما تمكن الغجر منه وأتقنه معهم الكهان من الناس، والمتكاهنون.
- فالغجر كهان؟
- هم أبرع الكهان إذا أرادوا، ولكنهم كعمنا ميمون استحسنوا الأمر ما أن يلعبوا وما زالوا يلعبون، ولو أنهم أرادوا أن يفتكوا بهذه الإنسانية لفتكوا بها وسلاحهم ما يعلمون من شئون