الجزء في الكل يحتم علينا أن نعرف شيئاً عن خواص الكهرباء، وسيري القارئ أنه بمعرفتنا هذه الخواص، ينتفي السبب في افتراض وجود هذا الوسط الأثيري، ولعل هذا التفكير الجديد يكون خطوة لازمة قبل أن نعرض عن الميكانيكا النيوتونية، ونستعين بميكانيكة جديدة لا نيوتونية، تفهم بواسطتها الكون على شكل أكثر وضوحاً من الشكل الذي نعرفه له.
عند ما يَهم عامل لإصلاح خلل في الشبكة الكهربائية في منازلنا قد لا يفوتنا أن ننبِّهه ليتخذ الحيطة لنفسه، ذلك أننا نعلم أنه يكفي أن يلمس العامل خطأ طرف أحد الأسلاك المكهربة لكي يفقد حياته، ويصبح بين طرفة عين وانتباهتها في عداد الأموات، ولو أن العامل الذي يلمس السلك الكهربائي كان ممسكاً بيده الأخرى واحداً أو أكثر من زملائه؛ فإن جميع المتصلين به يفقدون حياتهم في اللحظة ذاتها، وقد حدث أن قُضيَّ على ثلاثة أشخاص العام الماضي في حي بولاق بالقاهرة بلمس أحدهم سلكاً كهربائياً. بيد أننا نشعر بالطمأنينة لو اقترب العامل من السلك دون أن يمسه، إذ أننا واثقون بأنه في هذه الحالة لن يُصاب بأذى، كما أننا واثقون بأنه لا يشعر عندئذ ولا يشعر من بجواره بوجود الكهرباء بمجرد الاقتراب من الأسلاك الحاملة لها، ولهذا بالطبع أثره في اعتقادنا أن الكهرباء سارية في الأسلاك لا تتعداها إلى خارجها
ومع ذلك وبالرغم من مقدرة الجسم الإنساني على الإحساس بالكهرباء بلُمسها فإنه لم تكن أجسامنا يوماً ما أجهزة لائقة للتعرف على المحيط المتأثر بها، وكما أن العين ليست الوسيلة الوحيدة لمعرفة الظواهر الضوئية، كذلك اللمس ليس الوسيلة الأولى والأخيرة لمعرفة الظواهر الكهربائية، فلقد كانت هاتان الحاستان في حاجة لوسائل أخرى يتسنى لنا بها استجلاء هذه الظواهر في صورة أدق من تلك التي نعرفها لها، ولقد تقدمت الوسائط الطبيعية في معرفة الظواهر المختلفة حتى باتت حواسنا الخمس وحدها في المرتبة الأخيرة لمعرفة حقائق الكون إنما نروم من هذه الأسطر أن نلفت نظر القارئ إلى عبقرية (فراداي) الذي أدرك أن الكهرباء غير مستكنة في الأسلاك فحسب، وإنما في الفضاء المحيط بها أيضاً، فقد لاحظ أنه يمكن لكرة متصلة بمنبع كهربائي ذي ضغط عال أن تجذب كرة صغيرة معزولة موضوعة بالقرب منها، واستخلص من هذا أن الكهرباء كائنة في الفراغ