للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتفكير بالجسد أقواها وأضبطها، ولكنه محدود ضيق الأفق. فمن ذلك التفكير تفكير القطة التي تثب، والملاكم الذي يضرب. فهذان يفكران بالعين واليد أو القدم، وهذا يسمى تفكير الغزيرة. ويقول أندريه موروا: إن أرقى أنوع التفكير هو الذي ينتقل من التعقل من الغزيرة. يعني بذلك الذي ينتقل من دور التحليل والمنطق إلى دور التنفيذ السليم بوساطة الغزيرة التي تملي على أعضاء الجسد فتقوم بالعمل وتؤديه على أحسن حال.

وهناك التفكير بالكلمة، وهو أشد أنواع التفكير خطراً وأبعدها مدى، وهو كذلك أكثرها تفككاً وإبهاماً. فإن كلمة واحدة تثل عروشاً، وتقلب دولاً، وتغير نظاماً. وإن كلمة واحدة في ميدان السياسة أو الاقتصاد لتفسر ألف تفسير وتؤول ألف تأويل

ما هي قواعد التفكير السليم؟

إن التفكير السليم لشيء نعتاده كما نعتاد أي شيء

فالإنسان (حزمة) من العوائد كما قال ويليم جيمس

والتفكير السليم يكون أساسه أمرين:

الأول: الإيمان بالقواعد التي أثبتت الأجيال صحتها، واتفقت التقاليد المتوارثة على التسليم بها. تلك أصول ثابتة في النفس الإنسانية لا سبيل إلى إنكارها ولا الخلاص منها، وعبث محاولة التفلت من جذور امتدت في أعمق أعماق السرائر الإنسانية وبقيت هناك، وإنما الشجرة التي تنمو من تلك الأعماق وتصل إلى النور والشمس هي التي يباح لها أن تحلق وتتساءل وتبحث. مثل ذلك مثل الطيار الذي يستكشف وهو بعد جزء من الجيش الذي ينتظر إشارته ليهتدي، ثم ينتصر

والأمر الثاني، الأساس الثاني للتفكير هو أمر ديكارتي محض. ديكارتي أي يوقن بعظمة العقل الإنساني وإمكانه التحليل والتعليل والوصول. وهو يبني قدرته على الشك المستند إلى قواعد ثابتة من القضايا المنطقية التي أسلمتها الإنسانية من جيل لجيل

ويتفرع من الأمرين أمر جدير بالتدبر

وهو أنه لكي تكون الصورة المجلوة في نفوسنا سليمة والمرآة غير مجرحة، يجب أن تستبعد الأوهام والخزعبلات والأباطيل، يجب أن تستبعد الفكر الزائفة والأقاويل السخيفة والترهات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>