أمرها محدودة الألفاظ، قليلة التنوع، قريبة الشبه بالأصوات الطبيعية التي أخذت عنها، قاصرة عن الدلالة على المقصود. فكان لا بد لها من مساعد يصحبها فيوضح مدلولاتها ويعين على إدراك ما ترمي إليه. وقد وجد الإنسان خير مساعد لها في الإشارات اليدوية والحركات الجسمية، وهذا المساعد الإرادي قد نشأ هو نفسه عن الحركات الفطرية التي تصحب الانفعالات؛ فكان في مبدأ أمره مجرد محاكاة إرادية لهذه الحركات؛ ثم توسع الإنسان في استخدامه فحاكى به أشكال الأشياء وحجومها وصفاتها. . . وما إلى ذلك، فازدادت أهمية في الحديث، وسد فراغاً كبيراً في اللغة الصوتية. ثم أخذت هذه اللغة يتوسع نطاقها تبعاً لارتقاء التفكير، واتساع حاجات الإنسان ومظاهره حضارته. وتستغني شيئاً فشيئاً عن مساعدة الإشارات، وتبعد عن أصولها الأولى تحت تأثير عوامل كثيرة كالتطورات الطبيعية التي تعتور الصوت، وأعضاء النطق الإنساني وكعلاقات المجاورة والمشابهة التي تعتور الدلالات. . . وما إلى ذلك
وهذه النظرية هي أدنى نظريات هذا البحث إلى الصحة وأقربها إلى العقول، وأكثرها اتفاقاً مع طبيعة الأمور وسنن النشوء، والارتقاء الخاضعة لها الكائنات وظواهر الطبيعة والنظم الاجتماعية
ولم يقم أي دليل على خطأ هذه النظرية، ولكن لم يقم كذلك أي دليل قاطع على صحتها، وكل ما يذكر لتأييدها لا يقطع بصحتها وإنما يقرب تصورها ويرجح الأخذ بها
ومن أهم أدلتها أن المراحل التي تقررها بصدد اللغة الإنسانية تتفق في كثير من وجوهها مع مراحل الارتقاء اللغوي عند الطفل، فقد ثبت أن الطفل في المرحلة السابقة لمرحلة الكلام، يلجأ في تعبيره الإرادي إلى محاكاة الأصوات الطبيعية (أصوات التعبير الطبيعي عن الانفعالات، أصوات الحيوان، أصوات مظاهره الطبيعية، أصوات الأفعال. . . الخ) فيحاكي الصوت قاصداً التعبير عن مصدره أو عن أمر يتصل به؛ وثبت كذلك أنه في هذه في المرحلة وفي مبدأ مرحلة الكلام يعتمد اعتماداً كبيراً في توضيح تعبيره الصوتي على الإشارات اليدوية والجسمية. ومن المقرر أن المراحل التي يجتازها الطفل في مظهر ما من مظاهر حياته تمثل المراحل التي اجتازها النوع الإنساني في هذا المظهر
ومن أدلتها كذلك أن ما تقرره بصدد خصائص اللغة الإنسانية في مراحلها الأولى يتفق مع