للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فقال: اسمي جبلي واسم الجمل صبيح وكان سادسنا صبيّاً فطناً لقناً يسمى سعداً، رآنا نتأهب للركوب عند الدير فتطوع لصحبتنا عسى أن يناله خير. مشى سعد وقد جعل يديه وراء ظهره تحت حزامه وأطبق أنامله بعضها على بعض، واستقام على الطريق يوحي إليك بمشيئته وحديثه اعتداده بنفسه. وهو صبي يكدح لرزقه ورزق أمه، فهو يحمل من أعباء الحياة ويشعر بكفايته لما يحمل. والرجولة بين العرب تبتدئ في العقد الثاني من سني العمر، لا تمتد الطفولة والصبي بينهم امتدادهما في المدن حيث ترى الرجل صبياً وقد جاوز العشرين وطالباً إلى أن يجاوز الثلاثين، وكهلاً متصابياً يعُدّ نفسه للزواج عند الأربعين. ومن أجل ذلك أمر رسول الله صلوات الله عليه أسامة بن زيد على جيش وهو في السابعة عشرة. وفتح محمد بن القاسم الثقفي الهند وهو في هذه السن. قال بعض الشعراء:

إن المروءة والسماحة والندى ... لمحمد بن القاسم بن محمد

ساس الجيوش لخمس عشرة حجة ... يا قرب ذلك سؤدداً من مولد!

وقال آخر:

ساس الرجال لسبع عشرة حجة ... ولداته عن ذاك في أشغال

قلت لسعد: ماذا يسمى حزامك هذا؟ قال: مريرة. قلت من قولهم أمرّ الحبل إذا أحكم فتله

وكنا سألنا ونحن في الدير عن دجاج لطعامنا وكلفنا سعداً أن يفتش عن بعض الدجاج. وقابلنا طائفة من البدويات يقصدن الدير ابتغاء رزقهن من الخبز، ومال سعد إليهن فسلم عليهن وكلم إحداهن. وقال أحد الجمالين: هذه أم سعد. وسألت سعداً فجمجم ولم يجب ثم قال: عند امرأة دجاجة واحدة. قلت: ما عسى أن تغني دجاجتك الواحدة يا سعد؟ وحسبت أن سعداً استحى أن يقول إن التي حادثها أمه وإن الدجاجة دجاجته وأحس شيئاً من الخجل أن يبيع لنا دجاجة، وكذلك قال صاحب الجمل حينما سألته: لماذا لا يقول سعد إن المرأة أمه.

وعرف سعد من سؤالي عن ضروب النبات أني معني بها فوجد له عملاً يبرِّر مصاحبته إيانا، ويجعل له يداً عندنا. فكان لا يمر بنبات إلا سماه وقلعه أو قطع فرعاً منه، وناولني إياه فأضعه في الخرج

<<  <  ج:
ص:  >  >>