(ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)
وما أخرج ما لك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
نعم. وددت ذلك وتمنيت لو أن صاحب (الرسالة) قد نهض كذلك، وهو ذو القول البليغ المسموع والرأي الموفق المقبول فواصل الكتابة في هذا الأمر، حتى جاء العدد ٣٥٥، ورأيت صدره قد تحلى بمقاله (في سبيل الأزهر الجديد)، حينئذ طابت نفسي وانشرح صدري وقلت: لقد وضعنا أيدينا على المفتاح الإصلاح، لأن هذا المقال، إنما هو الصيحة المباركة لا في سبيل تجديد الأزهر فحسب، ولكن في سبيل تجديد الدين.
لقد ضرب قلمكم البليغ في صميم الإصلاح الديني فقال: إن إصلاح الأزهر من ناحية الدين إنما هو في العودة إلى استنباط الدين من منابعة الأولى (من صريح الكتاب وصحيح السنة)
إن الدعوة التي تقوم بها الرسالة اليوم هي التي اتبعها خبر القرون واستمسك بها من بعدهم العلماء المحققون أمثال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما. وهي التي وضع بذرتها في العصر الحديث جمال الدين وأنبتها الإمام محمد عبده، وقام على تربتها السيد رشيد رضا حوالي أربعين سنة والتي أفصح عنها بكلمة حكيمة يجب أن تكون أساس كل إصلاح ديني في هذا العصر وهي:
(أقول في الدين بقاعدة الإمام مالك وهي الوقوف في العقائد والعبادات عند نصوص القرآن، وبيان السنة النبوية له، وسيرة السلف الصالح فيه قبل حدوث الآراء والبدع ومراعاة مصالح الأمة العامة في الأحكام الدنيوية من مدنية وسياسية وغيرها؛ وأما ما فوضه الشارع إلى الناس من أمور دنياهم ووكله إلى علمهم وتجاربهم في قوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وقوله (ص): (إنما أنا بشر مثلكم إذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر) رواهما مسلم في صحيحه
أما هذا فأنا أدعو فيه إلى أحدث ما انتهت إليه علوم البشر وفنونها وإلى ما لا يعرف له حد من الزيادة عليها بقصد إعزاز الأمة وإعلاء شأن الملة بها، ولا بد فيه من المحافظة على مقومات الأمة ومشخصاتها التي كانت بها أمة في وسائلها ومقاصدها)