دانتو الذي لم يكن له عمل، بحجة أنه منقطع لأبحاث تاريخية خطيرة.
وكثيراً ما كان البارون دي كورتلين يتناول عشاءه على مائدة أصدقائه ليحدثهم عن الصيد خاصة، وكان يروي لهم قصصاً مطولة عن الكلاب والفتاش، وكان يتحدث عن هذه الأشياء كما لو كان يتحدث عن شخصيات بارزة له بها صلات وثيقة، فكان يكشف عن نياتها ومقاصدها، ويشرح حركاتها وإشاراتها:
عندما رأى فيدور - اسم كلبه - أن العصفور هو الذي يضطره إلى أن يعدو سريعاً هكذا، قال في نفسه: انتظر أيها اللعين، أنا لن نلبث أن نضحك وأن نضحك كثيراً. ثم أشار إلىَّ برأسه أن أذهب وأتوارى في حقل النَفَل، وأنطلق يبحث ويبحث ملتوياً تارة ومنحرفاً تارة أخرى في شئ غير يسير من الجلبة وهو يتسلل بين الأعشاب ليوصل العصفور المطارد إلى زاوية لا يستطيع الإفلات منها. وقد تم كل شئ كما توقعه، ولم يلبث العصفور أن سقط في أقصى الحقل، إذ لم يكن في إمكانه أن يذهب إلى أبعد من ذلك من غير أن يرى. فقال له فيدور: هاأنت وقعت بين يدي. . . ثم أكب على رجليه متخفياً والتفت ينظر إلى، فما كدت أشير إليه حتى سمعت (بررررر) فطار العصفور فرفعت البندقية إلى كتفي وأطلقت منها النار: (بان) وإذا بالعصفور يسقط، فحمله فيدور إلى وهو يحرك ذنبه كأنه يريد أن يقول: أرأيت كيف نجحت الحيلة يا سيد هيكتور؟
وكان كورفيل ودارنتو والسيدتان يضحكون ضحكاً شديداً من هذه القصص الغريبة التي يرويها البارون بكل ما أوتي من فن وبراعة، فكان يحرك كتفيه ويشير بجميع أعضاء جسمه، حتى إذا وصل إلى موت العصفور انفجر يضحك ضحكاً عريضاً وهو يسأل هذا السؤال الذي يتخذه خاتمة لقصته: إنها لجميلة هذه القصة. أليس كذلك؟.
ولا يكاد الحديث ينتقل إلى موضوع آخر حتى ينصرف عنه سمعه، ويشرع يدمدم بعض أغاني الصيد، كما كان يفعل حين يسود الصمت بين جملتين، فإن الهدوء لا يكاد يقطع ضجة الحديث حتى تنطلق منه على حين غرة: طن. . . طن. . . ويظل البارون يرددها وهو ينفخ خديه كأنه ينفخ في بوق
وهو لم يتعلق بالحياة إلا لأجل الصيد، وكان الهرم قد بدأ يدب إليه شيئاً فشيئاً. وذات يوم أصيب بداء المفاصل ولزم الفراش شهرين متواصلين، فكاد يقضي كآبة وضجراً. ولما لم