للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكن لديه خادم تتولى شئون بيته عهد إلى إحدى العجائز بأمر إعداد الطعام. . .

ولم يكن في استطاعته أن يحصل على كمادات حارة، ولا أن يظفر بما يفتقر المرضى إليه من عناية، فتخذ من قائد كلابه ممرضاً له، وصار هذا الأخير يضجر بقدر ما يضجر سيده على الأقل، فصار ينام ليلاً ونهاراً على الكراسي بينما البارون يشتم ويجدف محنقاً مغتاظاً في سريره

وكانت السيدة كورفيل وابنتها تعودانه أحياناً، فكانت الساعة التي تقضيانها بقربه أحي الساعات إليه، ينعم بالهدوء والراحة، إذ تغليان له ما يحتاج إليه من مشروبات حارة وتتعهدان الموقد وتقدمان له فطوره على حافة سريره؛ فكان يدمدم حين انصرافهما: كان عليكما أن تقطنا هنا؛ فتغرق السيدتان في الضحك وتوصدان الباب وراءهما

ولما تحسنت صحته وعاد يصطاد في الغدران ذهب ذات مساء لتناول العشاء على مائدة أصدقائه، ولكنه لم يكن كعادته مرحاً نشطاً، إذ كان يخشى الانتكاس وعودة الآلام قبل افتتاح موسم الصيد؛ فلما نهض يريد الانصراف هرعت السيدتان إليه تلفان حول عنقه وشاحاً حريرياً، فترك نفسه للمرة الأولى في حياته بين أيديهما؛ ثم أخذ يتمتم بلهجة يائسة:

- إذا عادت الآلام إلىَّ قضى علىّ لا محالة!

وعندما انصرف قالت السيدة دارنتو لأمها:

- يجب تزويج البارون!

فسرَّ الجميع لهذه الفكرة وعجبوا كيف أنهم لم يفكروا في ذلك إلى الآن، وطفقوا يبحثون طيلة السهرة بين الأرامل اللواتي يعرفوهن، وانتهى بهم الأمر إلى أن وقع اختيارهم على سيدة في الأربعين من عمرها ما تزال جميلة موسرة، حسنة الطباع جيدة الصحة تدعى (برت فيلرس)

فدعوها لتمضية شهر في القصر، ولما كانت تضجر وحدها في بيتها لبَّت دعوتهم، وكانت كثيرة الحركة والمرح، وراقها السيد كورتلين لأول نظرة، وأصبحت تسر بوجوده كما تسر بلعبة تنبض فيها الحياة، وصارت تقضي الساعات الطويلة تسأله في خبث عن عواطف الأرانب وحيل الثعالب. فكان يندفع برزانة في تمييز وجهات نظر مختلف الحيوانات ناسباً إليها خططاً دقيقة كما ينسب مثلها إلى معارفه من الرجال

<<  <  ج:
ص:  >  >>