أما ما كتبته (على السفود) فأكثره رجس من عمل الشيطان، وأما ما أدخلته (تحت راية القرآن) فكله إلهام من روح الله
فقلت له، أو بالحري كتبت، لأن مناقلة الحديث كانت لصممه تحريرية مني وشفوية منه:
أتستطيع في هذه المناسبة يا صاحب (تاريخ آداب العرب) أن تجرد نفسك من ملابسات الخصومة وتُجمل لي رأيك الخالص في طه والعقاد؟
فأجاب الرافعي وعلى محياه الوردي سيما المعترف المقر:
- أما لك فأقول الحق. وما دمت لا أكتبه فلا أبالي أن تنشره:
إن طه عجيب التكوين جليل المواهب. وهو مدين بنبوغه لتوقد ذهنه ودقة حسه وقوة ذاكرته ولباقة حديثه ومزايا عاهته. ولو أنه انتهى كما بدأ لكان اليوم أحد عباقرة الدنيا. ولكنه بلغ المنزلة المرجوة قبل الأوان لأسباب غير طبيعية، فأعفى طبعه واطمأن إلى منصبه المضمون ومجده المكتسب
علمه علم الأديب يأخذ من كل شئ بطرَف، وأدبه أدب الصحفي تصرفه السرعة عن الإجادة، وأسلوبه أسلوب الوادي المنحدر يشتد جريانه ويقل عمقه
ذهنه لمًاع الذكاء ولكنه لا ينفذ، وقريحته واسعة الحيلة ولكنها لا تخلق. لذلك تجده مغسول الكلام لا أثر فيه لروعة الفن ولا لبراعة الفكرة. ولكنه قوي الشخصية جياش الحركة عذب السياق جميل العرض. وهو أشبه الناس بمهندس العرض في بيوت التجارة، يعرض البضائع في البترينات منسقة على نظام يملك البصر، ولكنها تظل بعد التنسيق كما كانت قبل التنسيق ملك غيره. وأحسبه إذا تنفس به العمر على هذه الحال يعود رجلاً له رأي مسموع في التأديب، ولكن ليس له أثر خالد في الأدب.
ويلوح لي أن طه تعوزه العقيدة التي تخلق المبدأ، ومن هنا كان التناقض الظاهر في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل
أما العقاد فإني أكرهه وأحترمه: أكرهه لأنه شديد الاعتداد بنفسه قليل الإنصاف لغيره. ولعله أعلم الناس بمكاني من الأدب، ولكنه يَنْفِس عليَّ قوة البيان فيتجاهلني حتى لا أجري معه في عنان